إثيوبيا وإريتريا.. ومملكة السلام
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
مؤشرات مهمة يعكسها اتفاق السلام التاريخي بين إثيوبيا وإريتريا التي جرت مراسمه في مدينة جدة؛ أهمها تعزيز السلام والاستقرار والتنمية بين البلدين الجارين بعد عقدين من النزاعات المسلحة على خلفيات تاريخية فصلت إريتريا عن إثيوبيا، وسياسية على السلطة فيما يعرف بالمشروع القومي الذي كان يحلم به كل طرف، وثقافية طغت على حالة الفكر والتفكير بين طرفي النزاع إما النصر أو الهزيمة؛ من دون أن يمنحا شعبيهما فرصة للسلام والتعايش بعيداً عن حسابات المعارضة في كل بلد، وتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي دون أي تدخلات إقليمية، أو تحالفات دولية تنحاز لطرف على آخر.
الاتفاق الذي رعاه خادم الحرمين الشريفين يمنحه قوة في التطبيق على أساس السلام الدائم والعادل والشامل بين البلدين، وفرصة لتجاوز الصراع الذي لم ينتصر فيه أحد لفتح صفحة جديدة من العلاقات المميزة بينهما، وهو ما يؤكد التزام المملكة برعاية بنود هذا الاتفاق، وتنقية الأجواء بين دول القرن الأفريقي، ومن ذلك استثمار علاقاتها مع السودان الشقيق كعضو في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن لأخذ موقف إيجابي من الاتفاق بعيداً عن أي حسابات أخرى، إلى جانب جيبوتي والصومال اللذين يهمهما مشروع السلام بين إثيوبيا وإريتريا لإعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة.
الدبلوماسية السعودية تتجدد دائماً لاحتواء خطر الحروب والنزاعات المسلحة بين الدول، والخلاقات بين أبناء القطر الواحد، حيث رعت اتفاقات مصالحة بين الفلسطينيين وأخرى بين اليمنيين وكذلك اللبنانيين، وسلام بين السودان وتشاد، وغيرها من الجهود الدبلوماسية التي تثبت مواقف المملكة في تعزيز السلم العالمي، والنهوض بمسؤولياتها كضامن إقليمي يُعتمد عليه، ويمنحها ثقة المجتمع الدولي كحليف استراتيجي نزيه ومحايد لحل الخلافات، ورسم مستقبل أفضل لعلاقات الدول ومصالحها من خلال الحوار والسلام، والبناء عليهما لحياة الشعوب التي عانت من ويلات الحروب والنزاع.
المملكة تثبت في كل مرة أن الاستقرار والسلام هما الركيزتان الأساس في استراتيجيتها الخارجية، وترفض مع ذلك التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، وتعزز علاقاتها على أساس من المصالح والتعاون المشترك؛ لذا ليس غريباً أن ترعى المملكة اتفاق سلام دولي بين إثيوبيا وإريتريا بحضور أممي وإفريقي، بينما دول أخرى في المنطقة وعلى رأسها إيران تنشر الفوضى، وتصدّر الإرهاب والطائفية، وتدعم وكلاءها من أحزاب وميليشيات وحتى دول صغيرة جداً جداً لتهديد السلم العالمي، وهذا الفارق يثبت للعالم من يدعو للسلام ومن يحاربه، وهي رسالة جديدة تبعثها المملكة من أنها لن تتخلى عن واجباتها ومبادئها تجاه السلام، وفي الوقت نفسه لن تسمح لأي دولة أن تمرر مشروعها على حساب أمن واستقرار المنطقة والعالم.
د. أحمد الجميعـة
(الرياض)