الكشف عن تفاصيل زيارة والدة أسامة بن لادن له في السودان وأفغانستان
أخيراً ظهرت علياء غانم، والدة مؤسس وزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن عبر إحدى وسائل الإعلام الغربية، بعد مُضي 7 أعوام على مقتله في مجمعه السكني بأبوت آباد، لتخرج عن صمتها وتتحدث عن ابنها الذي شغل أجهزة الاستخبارات الدولية طويلاً.
اللافت لدى المتابعين والقراء حديثها عن زيارتها الأخيرة لابنها في أفغانستان عام 1999، قبل عامين من هجمات 11 سبتمبر.
من مذكرات عمر بن لادن، نجل أسامة، التي اشترك بها مع والدته نجوى غانم، وهي ابنة شقيق علياء غانم والدة أسامة.. كان البحث عن مزيد من المعلومات عن طبيعة العلاقة الأسرية، التي جمعت الابن أسامة بأمه علياء وزوج أمه محمد العطاس.
وبحسب وصف أسامة زعيم القاعدة، كانت والدته علياء غانم: “قوية وسيدة شديدة الشكيمة”، إلا أن زواجها بوالد أسامة، محمد عوض بن لادن لم يدم طويلاً، بعد أن طلبت الطلاق عقب خسارة جنينها في حملها الثاني.
فكان مصير أسامة بن لادن أن يكون وحيد أمه، بعد أن فقد شقيقاً أو شقيقة، على إثر إصابة والدته بأحد أجزاء غسالة الملابس، عقب أن قفز عليها جزء التعصير في الآلة، ليصيبها في صدرها وبطنها.
وغادرت علياء بطفلها أسامة وهو لا يتجاوز الـ 3 أعوام، مجمع أسرة بن لادن، لتقيم مع زوجها محمد العطاس، وأصبحت الأم علياء وزوجها العطاس هما الحلقة الأسرية لأسامة ومصدر الرعاية والاهتمام.
ووفقاً لرواية عمر بن لادن – بحسب العربية نت – : “لم يغادر أبي قط منزل أمي، إلا لبعض الزيارات التي قام بها لمجمع بن لادن”، مضيفاً: “فبرغم أن محمد العطاس عمل لدى بن لادن، فإن حياته الخاصة بقيت منفصلة عنه، ولم تعد جدتي أبداً من الحلقة الداخلية لآل بن لادن، وكذلك والدي إلى أن أصبح مراهقاً، وعاد إلى العائلة على أساس أكثر روتينية”.
في منزلٍ بجلال آباد، أو ما يعرف بالقصر القديم (يعود للملك ظاهر شاه ومخصص للصيد)، التقت علياء والدة أسامة بن لادن بابنها وهي برفقة زوجها محمد العطاس في العام 1999، في فيلا من طابقين بالقرب من نهر كابول ومحاطة بحدائق واسعة، كان قد وفره لهم الملا نور الله، أحد أمراء الحرب في أفغانستان منذ أيام الحرب السوفيتية، بعد عودة أسامة وزوجاته وأبنائه من السودان.
وتعد هذه الزيارة الثالثة لعلياء غانم لابنها، حيث سبقتها زيارتان إلى الخرطوم العاصمة السودانية، ليقود أسامة بنفسه السيارة إلى المطار، الذي كان نادراً ما يقود بنفسه منذ مغادرته السعودية.
وبحسب عمر بن لادن: “تدججنا كالعادة بالكلاشينكوفات وأحزمة القنابل، بدون أن نفكر كيف سيبدو الأمر لزائرينا من العائلة غير المعتادين على عالمنا.. وقفنا أنا ووالدي معاً، ونحن نراقب هبوط الطائرة، تشبهت بتصرف أبي الهادئ والوقور، لكنني بالكاد تمكنت من احتواء انفعالي. ظهرت جدتي وزوجها أخيراً عند باب الطائرة المفتوح، ولوحا بأيديهما قبل أن يشرعا في النزول على الدرج النقال”.
في هذه الأثناء لاحظ أسامة بن لادن أن والدته غير محجبة، ووجهها بادٍ لمرافقيه ليشير إليها سريعاً بيديه لتستر وجهها، فكان منها أن تمسك بطرف وشاحها ولفه حول وجهها وعينيها، قبل أن تتعثر، ويسارع ابنها أسامة إلى إمساكها تجنباً لسقوطها.
وأضاف عمر: “انسابت الوالدة برشاقة نحو ابنها، وشبكت يدها بيده وأصبح كلاهما في عالم خاص بهما. لم يسبق لي أن شاهدت السعادة الكاملة من قبل.. وعرفت في ذلك اليوم أن والدي سعيد بالقدر الذي يمكن لرجل أن يكونه”.
بعد انطلاق السيارات شعر عمر بسعادة غامرة لدرجة الاحتفال، مفرغاً طلقات سلاحه في الجو ابتهاجاً، الأمر الذي أقلق زوجها محمد العطاس، ظناً منه بتعرضهم لهجوم.
وقال عمر: “أسكنت جدتي زوجها في أجمل بيت للضيافة، ثم وكبا إلى منزل أمي (نجوى غانم) وجلبت جدتي معها هدايا من الشوكولا واهتززنا أنا وأشقائي فرحاً فنحن لم نر الشوكولا ولا ذقناها منذ إقامتنا في الخرطوم، بل إن بعضاً من أصغر إخوتي لم يعرفوا ما هي السكاكر”.
وأضاف: “شكلت الأمسية الأولى الليلة الوحيدة التي اجتمعت فيها العائلة كلها معاً، وبلغت إلى درجة كبيرة من المتعة، حيث أخذ والدي يتذكر القصص الممتعة من صباه”.
زيارة الأم لابنها أسامة في جلال آباد، كانت بمثابة المحاولة الأخيرة لإقناعه بالعودة إلى السعودية، ووفقاً لما ذكره عمر بن لادن: “جاءت جدتي عليا إلى أفغانستان لمناشدة والدي التخلي عن الجهاد، والعودة إلى الديار، وقالت الجدة عليا إن الوقت لم يفت بعد، فالملك فهد يقدم عرضاً واحداً أخيراً متعهداً لوالدي أنه لن يسجن أو يسلم إلى الأميركيين، بل ستؤمن له حياة هادئة لو عاد فقط إلى السعودية”.
فما كان جواب أسامة بن لادن زعيم القاعدة كما هو معلوم غير الرفض قائلا: “لا أستطيع العودة أبداً إلى المملكة، ولن تشاهد عيناي من جديد أرضها، ولن تطأ قدماي شوارع جدة”.
باستثناء ما كان يذكره أسامة بن لادن بفخر عن نجاحات والده رجل الأعمال الاستثمارية وذكائه، لن يجد القارئ للمذكرات سوى إشارات الألم والحزن التي ظل يحملها زعيم القاعدة أسامة بن لادن تجاه والده.
وهنا يجدر التوقف عند تساؤل هو إلى أي حد ساهم شعور أسامة بن لادن الابن الوحيد لأمه ودون أشقاء بالاستبعاد من قبل أسرة بن لادن عقب طلاق والدته من والده مختلطاً أكثر بأخواله (السوريين) وقضاء الإجازات في مدينة اللاذقية السورية؟ ويضاف لذلك جفاء وقسوة الأب محمد عوض بن لادن، الذي لم يشاهده بحسب ما ذكر في المذكرات سوى 3 مرات. كم ساهم كل ذلك في صناعة الشخصية “السوداوية” التي انتهت به إلى تأسيس وتزعم تنظيم القاعدة، وسهولة الانقياد إلى منظره عبد الله عزام؟
ليس مستغرباً أن يشكو أسامة بن لادن من جفاء وقلة حضور والده في حياة أبنائه التي انعكست جلياً على تكوين شخصية أسامة، زعيم القاعدة، وذلك لعدد ما أنجبه من أبناء بلغوا 55 ابناً وابنة من أصل 22 زواجاً.
وتتجسد قسوة وجفاء محمد عوض بن لادن، والد أسامة، في أكثر من رواية جاءت على لسانه كان منها، صفعة قوية تلقاها من والده وهو طفل صغير ما زالت مرارتها في نفسه على حد وصفه، لعدم أخذ موقعه المناسب في طابور الاصطفاف لأبنائه قائلاً: “أذكر مرة استدعى فيها أبناءه إلى المنزل لسبب ما، ولديه قاعدة متشددة، كلما اجتمع بأبنائه، تقضي بأن نصطف في خط مستقيم جداً بحسب الطول بدلاً من العمر.. في ذلك اليوم حشرني اثنان من إخوتي الأكبر مني سناً بينهما، وكلاهما أطول مني، فوقفت صامتاً .. لكن جدك لاحظ، فاستشاط غضباً ومشى ليقف في مواجهتي وصفعني بدون أي كلمة إنذار بأشد ما أوتي من قوة على وجهي، حتى كدت أسقط أرضاً، لم أنس أبداً ألم تلك الصفعة، وما زالت مرارتها على وجهي وفي قلبي”.
الموقف النفسي لأسامة بن لادن، تجاه والده تجسد كذلك في عدم ذكره كلمة والدي مكتفياً خلال أحاديثه المقتضبة مع أبنائه بالإشارة إليه بكلمة “جدك أو جدكم”.
فالابن أسامة لم يجتمع بوالده وجهاً لوجه سوى مرة واحدة، وهو لا يتجاوز الـ 9 سنوات، بحسب ما قاله أسامة بن لادن لابنه عمر في جلسة ودية جمعت بينهما أثناء تجهيزهما لكهوف تورا بورا، عن طلبه موعداً للقاء بوالده للإعراب عن رغبته بامتلاك سيارة قائلاً: “مرت معي يا عمر تجربة واحدة وجهاً لوجه مع جدك قبل سنة أو ما حواليها”، من مقتله.
وأضاف أسامة: “جاء أخيراً اليوم الموعود وقادني محمد العطاس إلى مكتب جدك في جدة، وها هو يجلس وراء أكبر مكتب أراه في حياتي، نظر إليّ بدون أن يبتسم ثم قال: ما الذي تريده يا بني؟ شد محمد العطاس على كتفي مشجعاً، وقد استرحنا لأن جدك تعرف إليّ بسهولة فقد اشتهر بأنه لا يعرف أولاده أبداً، وكان دائماً يطلب من أحدهم أن يعرف عن نفسه بتسمية والدته، لكن والدي عرف في ذلك اليوم أنني من صلبه، وها أنا أدرك الآن أن السبب هو أن محمد العطاس كان يرافقني، وجدك يعرف زوج أمي، إلا أنني لم أفكر يومها في التفسير المنطقي للأمر، وشعرت بغبطة شديدة فقط لأنه عرف من أكون”.
بعد زيارة أسامة لوالده لم يحصل على السيارة الحمراء التي رغب بها بعد أن رفض طلبه، وأرسل له عوضاً عنها دراجة هوائية “حمراء” قائلاً: “أحسست بالذهول لكنني عرفت أنني سأتعرض للضرب لو اعترضت على قراره، وأعاد نظره إلى الوثائق الموضوعة على مكتبه، دلالة على ضيق وقته، فشكرته وخرجت لم يودعني، وأنا لم أنبس بكلمة وداع، وأعتقد أنها المرة الأخيرة التي شاهدت فيها جدك”.
ومن خلال قراءة المذكرات وما جاء على لسان أسامة بن لادن يبدو أن زوج أمه محمد العطاس كان البديل الذي عوضه عن ما فقده من حنان الأب، فكما قال أسامة لابنه عمر: “كان محمد العطاس ألطف زوج أم، فقد بذل كل جهد لتطييب نفسي في طريق عودتنا بالسيارة إلى المنزل، محاولاً إرضائي وزرع الأمل في بأنني سأحصل قريباً على دراجة جديدة”.
وعلى الأرجح لم يكن ليتصور زوج الأم محمد العطاس ما كان ليعانيه من تحديات لأكثر من عقدين من قبل ابن زوجته الوحيد أسامة بن لادن، ليستمر مسلسل عنائه بعد توريث ابنه حمزة بن لادن قيادة وزعامة تنظيم القاعدة، من إيران إلى أفغانستان وصولاً إلى سوريا، لسنوات أخرى.