الحديدة وما بعدها!
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
طوال السنوات الثلاث الماضية والأزمة اليمنية تشهد ابتزازاً سياسياً من قوى دولية وإقليمية، لإطالة أمد الصراع، وتحويله إلى ساحة مزايدات بحثاً عن مكاسب في ملفات أخرى شائكة في المنطقة، أو مصالح جيوسياسية لتعميق التدخلات وتبريرها، فضلاً عن التحكم فيها، من خلال إعلان صنعاء خطاً أحمر للمواجهة العسكرية.
قوات التحالف لدعم الشرعية في اليمن أدركت منذ وقت مبكر ذلك الابتزاز، واتخذت محاور عدة للالتفاف عليه وفق سياسة الأمر الواقع، حيث تم تدريب وتأهيل الجيش الوطني اليمني وفصائل المقاومة الشعبية لتقود المعركة على الأرض مدعوماً منها، وتضييق الخناق على التحركات الحوثية في مناطق التمركز الرئيسة، وتفعيل الإمداد العسكري، وخطط المواجهة، واختراق القوى الصامتة في الداخل اليمني، ونتج عن كل ذلك وأكثر من البدائل العسكرية والإنسانية والسياسية أحياناً تقدماً كبيراً على الأرض؛ وصل مؤخراً إلى معركة النصر الذهبي لتحرير الحديدة بعد أن فشلت كل المساعي الدبلوماسية مع العصابة الحوثية في الحل السلمي.
لحظة إعلان معركة الحديدة خرجت دول ومنظمات تزايد على الموضوع الإنساني في اليمن، وطلب بعضها عقد جلسة لمجلس الأمن، بينما أخرى أخذت تمارس ضغوطاً في خطابها نحو الحل السياسي، حيث تركت تلك المواقف تناقضاً غريباً، وابتزازاً رخيصاً، وأسئلة مثارة على أكثر من صعيد من دون إجابة كافية: أليس الحوثي هو من رفض الحل السياسي في مفاوضات الكويت؟، وأليس هو من تسبب في الأزمة الإنسانية والعسكرية أيضاً بعد انقلابه على الشرعية؟، وأليس هو من رفض قرارات الأمم المتحدة؟، وأليس هو من يهدد السعودية بصواريخه الباليستية الإيرانية؟، ويبقى السؤال الأهم: لماذا الآن كل تلك الأصوات تخرج دفعة واحدة لتتحدث عن إنسان اليمن؟.
والجواب باختصار لأن الحديدة تمثّل آخر معاقل الحوثي على الأرض، وسبيل إمداده الوحيد، ومصدر دخله، واستعراض إرهابه على حركة الملاحة البحرية الدولية، إلى جانب جلوسه على طاولة المفاوضات لتسليم صنعاء مرغماً، حيث لا مجال للمناورة، أو الاعتماد على المدد الإيراني والقطري مجدداً.
ما بعد الحديدة حل سياسي لإنهاء الأزمة اليمنية، وتحرير الأرض، وعودة الشرعية، وانتصار الشعب بجيشه ومقاومته، والأهم انكفاء المشروع الإيراني بلا رجعة، وانحسار الابتزاز السياسي، والخروج من ذلك بإرادة سياسية عربية قادرة على التصدي لمشروعات الفوضى في المنطقة.
مهم جداً أن تنتهي أزمة اليمن في هذا التوقيت الذي تُحاصر فيه إيران، وتُقاطع قطر؛ لتسوية بقية الأزمات العربية في ليبيا وسورية، وتطهيرها في العراق ولبنان من التدخل الإيراني، وهو ما يعطي أهمية أخرى لمعركة الحديدة الفاصلة بين مشروع الفوضى والسلام في المنطقة، ومؤشر آخر على قوة التحالف الذي تقوده المملكة في إنهاء الأزمة بأقل الخسائر الممكنة.
د. أحمد الجميعـة
(الرياض)