الأوامر الملكية في سياق الإصلاحات الهيكلية للقطاع العام
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
رغم أن الأوامر الملكية، التي صدرت أمس قد أحدثت كثيرا من التعديلات الهيكلية من أهمها إنشاء وزارة للثقافة وفصلها عن الإعلام وتعيين وزير للثقافة، وتعديلات وزارية وتعيينات عديدة عند مستويات إدارية مختلفة من بينها نواب وزراء ومساعدو وزراء ووظائف مختلفة على المرتبة الممتازة، لكن من المهم قراءة هذه الأوامر في سياقها ومناخها العام، وهو الإصلاح الشامل، الذي يقوم به خادم الحرمين الشريفين منذ توليه الحكم، وهو الإصلاح الأضخم في الدولة السعودية ويسعى من خلاله ولي الأمر إلى إحداث نقلة كبيرة في الإدارة العامة وتحديثها وتحرير هيكل القرار مع رقابة استراتيجية فعالة من خلال مجلس الشؤون السياسية والأمنية ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية وأيضا حوكمة “رؤية المملكة 2030″، مع شفافية تحقق للمؤسسات الدولية فرصة للتقييم العادل وتتماشى مع متطلبات العصر واحتياجات متخذي القرار على المستويات كافة. وفي قراءتنا لهذه الأوامر نبدأ بأبرزها وهو إنشاء وزارة للثقافة، لعدة أسباب: أولا وأهمها هو الاهتمام الكبير الذي يوليه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان للثقافة والمثقفين، وهو الأمر المشهور عنه منذ توليه مقاليد الحكم في إمارة منطقة الرياض وله أياد بيضاء مشهورة في تكريم المثقفين ومتابعة الحراك العلمي والإنساني، كما أنه رئيس لمجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز، وقد شهدت المملكة في عهده- حفظه الله- نهضة ثقافية مشهودة، وأنشئت هيئات عدة لهذه الأغراض منها هيئة الثقافة وأيضا هيئة الترفيه، ولأن يتم تتويج كل هذا بوزارة مستقلة، والثقافة في المملكة تعيش اليوم عصرها الذهبي بلا شك، والمجتمع ينتظر مزيدا في هذه الاتجاه لنرسم صورة حضارية خالدة عن هذا العهد الميمون. ولكن الأوامر الملكية لم تكن لتختصر في مشهدها الثقافي فحسب، بل لعلنا نستشهد بعدد من القرارات التي سبقت الأوامر الملكية أمس، أهمها القرار الذي تم فيه تحرير بعض الوظائف الحكومية في المستويات القيادية من قيود أنظمة الخدمة المدنية، حيث أصبحت وكالة الوزارة منصبا للأكثر كفاءة من أبناء الوطن، سواء كان القطاع العام أو الخاص وتم أيضا تحرير الراتب لهذه الوظائف، بحيث يكون على نظام العقد بدلا من التقيد بنظام السلالم الوظيفية للخدمة المدنية، وتم أيضا منح الوزير المسؤول ووزير الخدمة المدنية اتخاذ القرار بهذا الشأن وبما يحقق المصلحة العامة، ثم جاءت الأوامر الملكية لاستكمال تعيينات نواب الوزراء التي كانت شاغرة لسنوات عدة، وفي عام 2015، كانت 90 في المائة من الوزارات بلا نواب، بينما الآن 90 في المائة من الوزارات تشتمل على نواب وعلى سلسلة قيادات ذات كفاءة عالية. وكل هذا من قواعد الحوكمة الرشيدة التي تتطلب تأسيس قيادة مؤهلة من الصف الثاني لدعم المشاركة في اتخاذ القرار، وعدم نشوء فراغ إداري مخل عند الحاجة إلى تعديلات وزارية لأي سبب. إذا فالفكر الإداري المستنير هو الذي يقود كل هذه التعديلات الهيكلية في الوزارات وهو الأساس المنطقي لكل التعيينات التي تمت أخيرا. وفي السياق نفسه، نقرأ الأمر السامي القاضي بتوجيه الوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى بإيقاف التعامل الورقي المتعلق بالإجراءات والأعمال المالية، وإتمام استخدام الخدمات الإلكترونية عبر منصة “اعتماد” الرقمية خلال 60 يوما. ومع الإصلاحات العميقة في هيكل المالية العامة والشفافية، فإن التعديلات الوزارية والتعيينات على المناصب جاءت متناسبة مع المسار العام للتحديث، فالمساحة اليوم واسعة للكفاءة القادرة على تشغيل أحدث الأنظمة والتعامل معها وتسريع عجلة القرار الحكومي وتفعيل أحدث الخبرات العالمية في صناعة القرار والمشاركة فيه، وكما أشار وزير المالية بأنه قد تم الانتهاء من أتمتة إدارة الميزانية من حيث مناقلاتها إلكترونيا والاطلاع على الميزانية، وكذلك إدارة المشتريات والمنافسات وتقديم العروض وفحصها من خلال منصة “اعتماد”، بل حتى إصدار الترسية إلكترونيا، وكذلك إدارة الحقوق المالية لموظفي الدولة. هذه التحولات العميقة فعلا تحتاج إلى فريق حكومي جديد، شاب ومتحمس وقادر على حمل هذه الأمانة العظيمة بكل اقتدار، ولهذا نعود ونؤكد بأن الأوامر الملكية الأخيرة جاءت متسقة مع المسار العام للتحديث في شرايين الحكومة والعمل الحكومي بكل أذرعه، وأن الطلب على الكفاءات سيكون سيد الموقف في العقد القادم، وهذا يتطلب تطويرا شاملا لمفاهيم الموارد البشرية في القطاع العام، وهذا ما يحدث الآن فعلا، وكل ذلك يصب في الأهداف الرامية إلى تحقيق “رؤية المملكة 2030”.