أميركا: معدلات الإنجاب تتراجع والحل المهاجرون
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
كشف «المعهد الوطني الأميركي لإحصائيات الصحة» الأسبوع الماضي أن معدل الخصوبة قد تراجع إلى مستويات قياسية للعام الثاني على التوالي. فقد تراجع معدل المواليد إلى 60.2 مولود لكل 1000 امرأة في سن الإنجاب، وهي أقل بنسبة 3 في المائة مقارنة بعام 2016. وقد تراجعت نسبة المواليد في الولايات المتحدة بواقع 2 في المائة، ليصبح العدد 3.85 مليون مولود جديد كل عام، وهي النسبة الأقل منذ 30 عاماً. وكانت الفئة الوحيدة التي ارتفعت بها معدلات الإنجاب العام الحالي هي السيدات فوق سن الأربعين.
في الحقيقة، كان هذا التراجع متوقعاً منذ حدوث الركود الاقتصادي، نظراً لأن معدلات الإنجاب تتراجع بوتيرة كبيرة خلال الأزمات الاقتصادية بسبب تعمد الناس عدم الإنجاب. بيد أن الآباء الجدد عادة ما يعودون إلى الإنجاب بمجرد تعافي الاقتصاد. لكن المقلق حالياً هو أن فترة الركود الاقتصادي قد ولت ولم يعد معدل المواليد الجديد إلى سابق عهده.
من الصعب قياس تغيير كهذا، فالتحذيرات من تراجع معدلات المواليد ظهرت منذ سنوات، فيما حذر خبراء علم السكان من محاولة استباق النتائج حتى وإن استمر التراجع بوتيرة كبيرة ولعقد كامل. حتى وإن لم يكن الوضع الآن لا يستدعي الجزع، فربما قد حان الوقت لكي نبدأ التفكير فيما يحدث بالضبط.
ما الذي يمنع التناسل؟ تتراوح النظريات بين الشخصي والسياسي، أحد الاحتمالات اللافتة تضع اللائمة على الشاشات، حيث عرض باحثون مثل عالم الاجتماع بجامعة فرجينيا براد ويلكوكس، افتراضية تقول إن النساء في سن الإنجاب أصبحن «منغمسات في الإنترنت للدرجة التي لم يعد لديهن وقت للعلاقات الحقيقية». فالبالغون الشباب استبدلوا بالوقت الذي يقضونه في تكوين علاقات حقيقية تنتهي بالزواج ومن ثم الإنجاب، قضاء أوقات طويلة أمام شاشات الكومبيوتر والهواتف الجوالة والكومبيوتر اللوحي، وباتوا يقضون أوقاتاً متزايدة في مواقع التواصل الاجتماعي وألعاب الكومبيوتر ومشاهدة المواقع الإباحية أو مشاهدة المباريات المثيرة. من السابق لأوانه لتلك النظرية أن تظهر لكنها تحمل قدراً من الصحة. ويتعجب المرء من أن هذه المشكلة يمكن أن تحل لو أن الناس قضوا وقتاً أقل على الإنترنت واستبدلوا به الحديث على أرض الواقع.
هناك تفسير آخر يقول إنها الصعوبات المالية ومتطلبات الحياة الحديثة. صحيح أن الاقتصاد قد تحسن، لكن الركود الاقتصادي وتوابعه قد غير من منظور الجيل الخصب تجاه الحياة.
فكثير منهم اتجه للإحجام عن شراء المنازل، فيما آثر البعض الآخر تأجيل تحقيق كثير من أحلامه، منها إنجاب طفل وتكوين أسرة. وهذا خيار مفهوم بالنظر إلى أعباء الأبوة والأمومة المترتبة على ذلك، منها قلة مزايا العمل التي تمنح للشباب بعد الزواج. ورغم أن تأخير الإنجاب يساعد في التفرغ لتأمين وظيفة، فإنه لن يكون هناك وقت كافٍ فيما بعد لتكوين ورعاية أسرة. كذلك تراجع الإقبال على علاج تأخر مشكلات الخصوبة والأمومة المتأخرة، وهو ما يتضح من المنتديات المتخصصة في هذا الشأن التي أظهرت نتائج لم يكن أحد يتمنى سماعها.
السبب الأخير المحتمل لتراجع معدلات الإنجاب قد يكون عاملاً سياسياً ظهر مجدداً. فمعدل الخصوبة في الولايات المتحدة في تناقص، لكن أعداد الجيل من السكان ثابتة بحيث يحل جيل محل جيل آخر بالنسبة نفسها تقريباً. فمثلاً هناك متوسط ثابت يبلغ 2100 مولود لكل 1000 أم منذ عام 1971. لكن لماذا لم يتناقص تكثير سكان الولايات المتحدة؟ السبب هو أن الهجرات الخارجية حافظت على النسبة السكانية. لكن هناك من يتمنى لو أن ذلك لم يكن السبب بالقول: «يجب ألا نبني حضارتنا بأطفال الآخرين»، وهو ما قاله بغضب ستيف كينغ، عضو الحزب الجمهوري عن ولاية أيوا، العام الماضي.
في الحقيقة، هذا بالضبط ما نفعله منذ سنوات لصالح بلادنا اجتماعياً وسياسياً. فالولايات المتحدة باتت تتشدد في إجراءات الهجرة للولايات المتحدة بجعل مزايا الحياة فيها أقل جذباً للغرباء.
لكن المشكلة هنا لا تكمن فقط في ارتفاع أعمار المتقاعدين مقابل أعداد أقل من العاملين الشباب، بل أيضاً في إحساس خفي بالتدهور الاجتماعي، بمعنى ألا يصبح لشيء معنى وأن يشعر الإنسان بعدم الاهتمام بالمستقبل.
صحيح أننا لم نبلغ تلك المرحلة بعد، لكن الإنجاب في حد ذاته شيء رائع، وبداية العزوف يجب أن يدفعنا إلى البحث عن الأسباب وراء ذلك.
كريستين أمبا
(الشرق الأوسط)