مكافحة التحرش .. الخصوصية والطمأنينة
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
لم يأت نظام مكافحة التحرش في المملكة لأن هناك ظاهرة في المجتمع بهذا الشأن، بل إن سبب عدم وجود هذا النظام كل هذه المدة الطويلة من عمر المملكة هو بسبب غياب هذه الظاهرة عن المجتمع السعودي تماما، وإذا كانت هناك بعض السلوكيات الفردية الشاذة التي تظهر بين فترات متباعدة فإن الأنظمة الأخرى المعمول بها في المملكة وقواعد الشريعة الإسلامية التي تعتبرها المملكة دستورا لها تقدم العلاج الشافي لمثل تلك الحالات النادرة. فالمجتمع السعودي شعب مترابط بكل فئاته وطوائفه، وهو شعب يحترم الخصوصية الشخصية للأفراد، وهو في طبيعته شعب مسالم يحب الأمن الاجتماعي ويسعى إليه، كما أنه شعب متحضر منذ الأزل وتشهد بذلك الحضارات التي مرت على هذه الأرض الطيبة منذ نشأت الخليقة، وإذا كان هذا هو الحال فلماذا يأتي نظام التحرش الآن بالذات.
بداية فإن النظام أتى استجابة لأمر خادم الحرمين الشريفين بإعداد نظام لمكافحة جريمة التحرش، وهذا الأمر الملكي يعد استشرافا للمستقبل عنده – حفظه الله -، فالمملكة تمر اليوم بتحولات اقتصادية واجتماعية كثيرة لم تشهدها من قبل، وهذه التحولات تشمل توسعا غير مسبوق في عمل المرأة، مشاركتها للرجل في التنمية، دعما كبيرا للأعمال الصغيرة والمؤسسات المتوسطة التي تقوم بها المرأة بنفسها، وبعض هذه الأعمال قد تكون في مناطق عمل مشتركة مثل الأسواق الآن أو المجمعات والمدن الصناعية التي تنشأ في كل المناطق. كما أن “رؤية المملكة 2030” تتضمن التوسع في إنشاء مدن اقتصادية عملاقة مثل “نيوم” وكذلك التوسع في الترفيه وحق الأسر في أن تجد في بلادها مناطق للترفيه المحترم الآمن، ولهذا أنشئت هيئة الترفيه في المملكة التي سمحت لأول مرة بفتح دور للسينما. وإذا أضفنا إلى كل هذه التطورات حاجة المرأة السعودية اليوم إلى قيادة السيارة، حيث صدرت توجيهات خادم الحرمين بإزالة كل العقبات التي تمنع المرأة من قيادة السيارة. فالأمر إذا مرتبط بعضه ببعض ولا يمكن قراءة نظام التحرش بمعزل عن الرغبة السامية في تمكين المرأة من حقها في العمل ومقابلة احتياجاتها ذات العلاقة وحقها في قيادة السيارة، وأيضا حقوق الأسر في الترفيه والتنقل الآمن في ربوع هذه البلاد الطاهرة، والحيلولة دون استغلال البعض ممن يسعون إلى تخريب السلم الاجتماعي العام، فقد جاء النظام سابقا للظرف وليس تابعا له. وعلى الرغم من أن الأنظمة السعودية تكفل الحرية الشخصية وتحارب التحرش، وآيات القرآن الكريمة صريحة جدا في هذا الشأن، إلا أن وجود هذا النظام الآن مهم جدا، وأن يكون واضحا وصريحا ومرجعيا يستند في أحكامه إلى نصوص الشريعة الإسلامية ومقاصدها الأساسية في حفظ العرض والنفس، ويؤسس لمرحلة قانونية جديدة في المملكة في كفالة الحريات الشخصية، أينما كانت وفي أي وقت، ولهذا جاء النظام رادعا جدا.
لقد انتهجت الحكومة السعودية مع جريمة التحرش أسلوب الردع في بناء النظام وفي توقيت إصداره. ونقول إنه رادع أساسا لأن التحرش لا يمثل ظاهرة كما أشرنا، فالنظام بني على أساس إعلام من تسول له نفسه بأي أمر من هذا الفعل الشائن أن يتوقف حتى عن مجرد التفكير فيه، ولهذا فإن دور الإعلام حاسم في نقل هذه الرسالة بهذه القوة وخاصة أن المملكة تتضمن بين جنباتها وتستقبل الملايين كل عام من العمال الذين قد تكون هذه الأمور ظاهرة في بلادهم. ولهذا فقد جاءت نصوص النظام لتضع حماية المجتمع في مكانة متقدمة جدا حتى لو تنازل المجني عليه عن حقه الشخصي، وهذا النص يوضح بجلاء معنى الردع الذي نشير إليه، كما أن وصول العقوبات حتى خمس سنوات وغرامات تصل إلى 300 ألف لبعض التصرفات التي قد يراها البعض بسيطة مثل التلفظ بقول أو الإشارة بيد، لكن الردع هو المقصد الأساسي في النظام حتى ينعم المجتمع بالتطورات التي تسعى إليها حكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهد الأمين ونحقق مسيرة “رؤية المملكة 2030” التي تتضمن كثيرا من التوسع في عمل المرأة وأيضا التوسع في حريات المجتمع وأفراده التي لا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية وقواعد الأخلاق المعروفة. ولأن الردع هو هدف النظام فقد جرم النظام كل شكوى كيدية وأوقع عليها العقوبات نفسها حتى لا يستغل النظام في غير مقصوده، كما أن الاعتداء على الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة يعد جريمة بحد ذاته، واستخدام الوسائل الإلكترونية لا يختلف عن استخدام الوسائل العادية، فالتحرش ممنوع في السعودية بكل صورة وأشكاله وأهدافه حتى ينعم المجتمع بالتطور والتقدم والاستمتاع بالحياة بما شرع الله في ظل حكومة صادقة في حمايته.