اليمن السعيد: معالم الحسم العسكري
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
إن رؤية متمعنة على خارطة الأرض والتضاريس ومواقع القوى المتحاربة «يُرشح» صعدة كهدف عملياتي مُقدّم لتطبيق خطة «الهجوم الجانبي»، بالنظر إلى قربها من الحدود السعودية وكذا اقتراب إخضاع قوات الشرعية للمحافظات المجاورة لها وخاصة حجة والبقع..
إن الحديث عن معالم الحسم العسكري في اليمن يفرض على المتخصص في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية، الإلمام ببعض خصائص البيئة الاستراتيجية اليمنية من مختلف جوانبها (التضاريس، البنية القبلية، طبيعة الولاءات، حجم التسليح عند كل طرف، العوامل المعنوية عند أطراف النزاع وصلابة منظومة الضبط والربط لديها، المواقف الإقليمية والدولية…). هذه المعطيات تبقى منطلقات أساسية لفهم معالم البيئة الاستراتيجية بتعقيداتها وغموضها وتقلبها وتوجسها، والتي تبقى مدخلاً أساسياً لرسم أي تصور للحسم العسكري، والذي من المفروض أن يكون قد وُضع من طرف قوات الشرعية والمقاومة، بتنسيق مع قوات التحالف العربي، وتتم إجراءاته على الميدان وتصريفه على مستوى مسارح العمليات ومناطق الاشتباك (التكتيك).
ومن خلال قراءة بسيطة للوضع الميداني في اليمن، يتضح أن الحرب هناك أخذت توجهاً نحو الحسم العسكري، في ظل تقدم واضح لقوات الشرعية وعناصر المقاومة، بإسناد جوي من قوات التحالف، على مسرح عمليات صعدة، والتي تبقى «مركز الثقل العسكري» لميليشيا الحوثي الإرهابية، مع الاعتماد على ضربات انتقائية على مستوى مسرح عمليات صنعاء كـ «مركز ثقل سياسي» للحوثيين، من خلال استهداف رموز التنظيم الصفوي فيما يمكن أن نُطلق عليه بـ»تكتيكات قطع رأس الأفعى».
ويبدو واضحاً أن الاستراتيجية العسكرية التي يتم اعتمادها في اليمن، تعتمد على مبادئ «الهجوم الجانبي»، والتي سبق وأن تم اعتمادها كخطة حربية من طرف الجنرال الأميركي شوارسكوف إبان الاجتياح العراقي للكويت وهي نفسها التي تم اعتمادها من طرف إيزنهاور ومونتغومري إبان إنزال النورماندي في الحرب العالمية الثانية. هذه الخطة الحربية فرضتها الشروط الذاتية والميدانية التالية:
عدم تحقق المعادلة الكلاسيكية: ثلاثة إلى واحد من نسبة قوات المهاجم في مواجهة المدافع وخمسة إلى واحد في حالة عدو محصن.
وجود تفوق جوي وبحري لقوات التحالف يمكن استغلاله في تنفيذ هذا التكتيك العسكري.
استحالة الانتصار من دون معركة بريّة حاسمة.
خطر الصواريخ الباليستية التي تستهدف المملكة انطلاقاً من صعدة.
إمكانية تقسيم الأدوار بين قوات الشرعية والقوات السعودية والإماراتية، حيث تتطلب الخطة مناورة عسكرية على جبهتين وفتح ممر ثالث يسمح بتحقيق «الهجوم الجانبي» والالتفاف على أحد مراكز ثقل العدو وجعله في وضع «الكماشة» تماماً.
إن رؤية متمعنة على خارطة الأرض والتضاريس ومواقع القوى المتحاربة «يُرشح» صعدة كهدف عملياتي مُقدّم لتطبيق خطة «الهجوم الجانبي»، بالنظر إلى قربها من الحدود السعودية وكذا اقتراب إخضاع قوات الشرعية للمحافظات المجاورة لها وخاصة حجة والبقع، مع تسجيل حسم عسكري على مستوى مجموعة من المديريات كان آخرها مديرية كتاف التابعة إدارياً لمحافظة صعدة.
على هذا المستوى من التحليل، سجلنا عمليات لتوزيع الأدوار بين قوات التحالف العربي وقوات الشرعية التابعة للحكومة اليمنية من خلال تكثيف المناورات البرية والضربات الجوية على أحد أجزاء محافظة صعدة، الشيء الذي دفع العدو الحوثي، ما مرة، إلى نقل قواته وتركيزها على الجانب المستهدف بعملية المناورة، ومن ثم الاضطرار إلى «فتح» ثغرة على مستوى إحدى جبهات الصراع، والتي ستكون منطلقاً للقوات البرية بالتنسيق مع قوات الشرعية لإطلاق الهجوم الجانبي وتطويق صعدة ووضعها في وضع «الكماشة المطلق»، وذلك بالتزامن مع غطاء جوي مكثف لقوات التحالف العربي على الجانب المعني بعملية المناورة.
على الجانب الحوثي، يبدو أن الميليشيا الموالية لطهران قد فقدت أي أمل في استعادة المناطق التي تمت السيطرة عليها من طرف قوات الشرعية، إلى الحد الذي فقدت فيه حرية الحركة ومبدأ المفاجأة، واكتفت بتبني تكتيكات الدفاع التي يُطلق عليها في علم الاستراتيجية بـ»النيران القاتلة»، والتي تعتمد على محاولة خداع قوات التحالف والشرعية ومحاولة تضليلهم، وإرغامهم، إن أمكن، على النفوذ إلى مواقع الحوثي حيث يمكن الاعتماد على قوة النيران للتدمير.
سياسياً، يبدو أن إيران في الطريق إلى رفع يدها عن الحوثي خصوصاً مع استحالة عودته لبسط سلطته على مجموع التراب اليمني واقتصاره على الوضع الدفاعي الميداني في محاولة لإدامة الحرب وإنهاك قوات الشرعية والتحالف في الوقت الذي تركز فيه إيران على جبهات أخرى، خاصة العراق وسورية ولبنان، حيث تحاول طهران وضع اليد على هذه الدول لتحقيق حلم حياة مؤسس الدولة الصفوية الشاه إسماعيل الصفوي (1501م/1524م).
عبدالحق الصنايبي
(الرياض)