حرية الصحافة.. والمصالح!
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
يصادف اليوم الخميس اليوم العالمي لحرية الصحافة تحت عنوان: «توازن القوى: الإعلام والعدالة وسيادة القانون»، وهي مناسبة يستذكر فيها العالم بحكوماته وهيئاته ومؤسسات إعلامه تضحيات أبناء المهنة في سبيل الوصول إلى الحقيقة، ومراجعة التقارير الدولية عن مستوى الحريات في العالم، ومؤشراتها، ووسائل التعاطي معها إعلامياً وسياسياً.
كلنا على اتفاق من أن الحرية المطلقة لا تتوافر في أي بلد في العالم، وإنما هناك حرية نسبية بحسب طبيعة النظام الاتصالي الذي يحكم فلسفة الإعلام ومحتواه، ومهما كانت نظرية الحرية في الإعلام متجذرة، إلاّ أن نظرية المسؤولية الاجتماعية قد ساهمت إلى حد كبير في تقنينها داخل المجتمعات الديمقراطية أولاً.
أيضاً لا يوجد إعلام محايد في أي بلد في العالم، وإنما يوجد مصالح تغذي الفكر الأيديولوجي الذي يسلكه النظام السياسي، وكلنا نتذكر الموقف الشهير لمستشارة الأمن القومي الأميركي وقتها كونداليزا رايس حينما اجتمعت مع الإعلاميين في الولايات المتحدة الأميركية بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر وقالت بالحرف الواحد: «أميركا أولاً»، فلا مجال لحرية الرأي والتعبير أمام مصالح أميركا.
الإعلام لم يعد سوقاً حرة للأفكار بلا أيديولوجيا تحدد طبيعة المشاركة فيه، ولم يعد وسيلة بلا محتوى تُحدد أجنداته وأولوياته من صانع القرار السياسي أولاً، لذا لا يمكن أن يعمل الإعلام من دون مواقف وتوجهات السياسي، وهذه الحقيقة المثبتة علمياً ومهنياً جعلت من الحرية وسيلة ضغط على المجتمعات التي تؤمن بها، ولكن تختلف في تطبيقها بحسب أنظمتها ومصالحها، وهنا كان مؤشر حرية الصحافة مسيّساً من أساسه؛ لأنه باختصار لا يعكس الواقع، وإنما المصالح التي تقتات على المكاسب، ووجهات النظر لطرف ضد آخر.
مصطلح الحرية الإعلامية يواجه أزمات كبرى في تطبيقه، وتصنيفه، فضلاً عن التحاكم إليه في صورة مؤشر للقياس، والتعميم؛ لذا حاولت المنظمات الدولية أن توجد مفاهيم بديلة عن الحرية تتمثل في العدالة، والتوازن، وكلها لم تلغِ فكرة عدم الحياد من أساسه، ويكفي دليلاً أن يكون عنوان اليوم العالمي لحرية الصحافة باحثاً عن التوازن في القوى التي لم تكن محايدة، أو عادلة، أو مطبقة لسيادة القانون.
علينا أن نتوافق حول حرية الإعلام ولا نتفق، ونترك للأخلاق والقانون مرجعاً نتحاكم إليه عند أي تجاوز لا يمكن تبريره، أو قبوله، أو حتى السكوت عنه، ومهما كان الغرب متمسكاً بالحرية التي يؤمن بها؛ فإن الواقع يكشف أن الغرب ذاته هو أول من سعى إلى تقنينها بقوة النظام قبل الأخلاق.
اليوم علينا أن نتمسك بحرية التعبير كحق اتصالي كفلته المواثيق الدولية، ولكن نعيد صياغة هذا الحق على أساس من المصالح العليا التي لها أن تستثني من المعلومات والحقائق ما يكفي للحفاظ على أمن المجتمع، وسلامة مقدراته، ووحدة أرضه وإنسانه، ونبادر في الوقت نفسه إلى تطوير أنظمتنا وتشريعاتنا ليس بحثاً عن توازن قوى، ولكن لتحديد ما يُنشر وما لا يُنشر.
د. أحمد الجميعـة
(الرياض)