تركي الدخيل ومنصور ومشاري وابن بجاد !
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
ما الذي يدفع دولة تمتلك تريليون دولار احتياطيا ً نقديا، ولديها ثاني أكبر حقل غاز في العالم، وتتكئ على 3 قواعد عسكرية أمريكية وتركية وإيرانية، للإحساس بالخطر من 4 كتاب سعوديين لا سلاح لهم إلا أقلامهم وكلماتهم، ما الذي أغضب قطر من مقال هنا وتقرير تلفزيوني هناك، ولماذا تفرد عنهم فيلما وثائقيا، كلف حسب مصادر أكثر من 3 ملايين دولار.
تركي الدخيل ومنصور النقيدان ومشاري الذايدي وعبدالله بن بجاد، هم من ضمن إعلاميين سعوديين برزوا على الساحة الثقافية العربية خلال العقدين الماضيين ككتاب ومفكرين وأصحاب رأي ونجوم على شاشات التلفزة؛ ولأنهم أبناء المجتمع السعودي المليء والثري، فهم يحملون من المعرفة والأدوات ما ساعدهم في الكتابة والتحليل والتحدث ببراعة أعطتهم مكانتهم وثقلهم المشهود، تلك الحرب القطرية ليست الوحيدة، فهم يضافون إلى 10 أسماء أخرى سربتها مصادر إعلامية قالت إن الدوحة رفعت ضدهم قضايا في محاكم أمريكية.
السؤال لماذا هؤلاء بالتحديد.. من يشاهد الفيلم الوثائقي «ما خفي أعظم»، الذي أنتجته «الجزيرة» وقدمه المذيع الفلسطيني ثامر المسحال ويفككه، يستطيع أن يفهم القصة كاملة.
لقد لعبت قطر حربا غير مسبوقة على الإعلام السعودي منذ الاشتباكات الشهيرة بين عبدالرحمن الراشد وحمد بن جاسم بن جبر منتصف التسعينات وحتى اليوم، كانت الدوحة قلقة ومنزعجة جدا من عدم قدرتها على اختراق واحدة من أهم الحلقات المؤمنة بالدولة السعودية إيمانا كاملا، لذلك تولت الجزيرة وإعلامها الموازي وعملاؤها من وعاظ وناشطين محاولة هدمها وتجريد المملكة.
كانت الشرق الأوسط والعربية وإم بي سي في مرمى الهدف تماما، مشيعين أنها تخدم الأجندة الصهيونية تارة والتغريبية تارة أخرى.
الراشد واجه بمقالاته جبروت ابن جبر المالي، واستطاع تركيعه وإذاقته الأمرين حتى وصل الأمر للمحاكم البريطانية، فقطر تستخدم نفوذها المالي دائما في ملاحقة الإعلاميين وإشغالهم بالمماحكات القضائية، وهي من يدعي المظلومية والدفاع عن الحريات.
عند انتقال إم بي سي وقناة العربية إلى دبي انتقل عشرات السعوديين للعمل هناك، من ضمنهم الدخيل ومشاري ومنصور وابن بجاد، وواصلوا نفس ما يؤمنون به من قيم تسير مع الخط الوطني ولا تصطدم به، وهو ما لا تريده الدوحة، لتنتقل الحرب القطرية لكل إعلامي سعودي لا يساير خطها التآمري على الرياض.
لا شك أن قطر تعاني من مشكلة فقر رهيب في الكوادر الإعلامية، وكل الموجودين على ساحتها مجرد أشباه إعلاميين بلا مواهب ولا قدرات، ولذلك اعتمدت بشكل كامل على مقاولين من أمثال وضاح خنفر وأحمد منصور وأبو هلالة وأخيرا ثامر المسحال، في الوقت الذي ترى فيه أن السعودية ولادة، فما يكاد يؤدي جيل دوره إلا وجيل آخر أمضى من الحسام المهند يصرعها ويدمي قلبها وجيبها.
حاولت الدوحة عبر عقدين من الزمان هدم الصورة الذهنية للإعلام السعودي وتشويه أفراده وتخوينهم، مستخدمة أشكالا عدة منها الدين والارتباط بالغرب وأخيرا المال، لقد كانت متأكدة من أن مواجهة سعودية قطرية قادمة لا محالة، وتعي أن الإعلام هو أهم أسلحة تلك المواجهة ولذلك حاولت تجريد الرياض من ذخيرتها.
إلا أنه وعند حصاد البيدر الذي جاء متأخرا 20 عاما، بدا جليا تفوق الإعلام السعودي في دفاعه عن وطنه ومكتسباته، وساهم الإعلاميون الوطنيون في التصدي للمشروع القطري بل تم تمزيقه ووأده في أسابيع قليلة.
ولأن القطريين هم أغبى من يتعاطى السياسة في الشرق الأوسط، فاتتهم ملاحظة أن التحولات في السعودية والمراجعات الفكرية بدأت مبكرا وقبل عقدين من اليوم، وأخذت مساحتها ومعاركها الزمنية ولم تكن وليدة السنوات القليلة الماضية.
كما أن الجزيرة تناست ومن أعد لها فيلمها الوثائقي ما يسمى بالارتحال الثقافي، وهو يعني في مبدئه الأول، الانتقال من فكر إلى فكر بعد مراجعات وتغير قناعات، وتغافلت عن أن عرابها و«ربها» الفكري سيد قطب، هو رائد التحولات فقد انتقل من العلمانية المحضة المنكرة للألوهية إلى الغلو والتكفير والإرهاب.
في الحقيقة أن من حاول صناعة إعلام مواز بعد فشله في السيطرة على الإعلام السعودي بغية التدخل في الشأن الداخلي والسيطرة عليه كان القطريين، ويعلمون كما نعلم أنهم استقطبوا عشرات من السعوديين إلى الدوحة من ذوي الخلفيات الأيديولوجية المشابهة لها ودمجتهم في إعلامها الرياضي والفني والسياسي فما كان استثمارها إلا وبالا وحسرة عليها.
ما يحصل اليوم هو جزء من الحسرات والبكاء القطري على «اللبن» المسكوب بعد فشلها في احتلال الشارع السعودي، وها هي تذرف دموع التماسيح بعدما خططت وصرفت مئات المليارات للسيطرة على المشهد الإعلامي والثقافي والديني والرياضي والفني بالمملكة، في سبيل الوصول للسيطرة على القرار «السياسي»، غير مدركة أن «المصمك» إذا أسدل عينه دهاء كان كالذئب، إنما يمهل «الغر» ليتمادى ثم يبطش به بطشة لا يقوم منها أبدا.
محمد الساعد
(عكاظ)