الرياض ــ باريس .. الشراكة المتجددة
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
تأتي زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لفرنسا، استكمالا طبيعيا لمسيرة العلاقات القوية التي تجمع الرياض بباريس. وتأتي أيضا ضمن سلسلة الزيارات الاستراتيجية لعدد من الدول الكبرى، في مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا. وهي من تلك الزيارات التي تحمل نتائجها معها، لكل أطرافها، وتوفر مزيدا من الدعم للأرضية المشتركة التي تجمع السعودية بهذه البلدان، كما أنها تدخل ضمن إطار التشاور المهم، بحكم وجود المملكة ضمن مجموعة العشرين. يضاف إلى ذلك، أن الرياض تتحرك في مثل هذه الزيارات منطلقة من استراتيجية تنفيذ “رؤية المملكة 2030” وبرنامج التحول المصاحب لها. فهذه “الرؤية” كما هو معروف، لها روابط عالمية كبيرة، وتحتوي على سلسلة كبيرة من المشاريع التي تحتم شراكات استراتيجية على المستوى العالمي. لهذه الأسباب وغيرها، تكتسب زيارة الأمير محمد بن سلمان لفرنسا أهمية كبيرة، خصوصا أن الجانب الفرنسي يمضي قدما في تمتين العلاقات مع السعودية على مختلف الأصعدة. فمن الناحية السياسية، هناك تطابق بين البلدين حول مختلف القضايا الإقليمية والدولية المطروحة، وهو مشابه بالطبع للتطابق الذي يجمع الرياض بكل من واشنطن ولندن. المملكة تقود من جانبها “على سبيل المثال” حربا على الإرهاب بكل أشكاله، ولا سيما إيقاف النظام الإيراني عن رعاية هذا الإرهاب، وإيقافه أيضا عن مواصلته عمليات التخريب في عدد من بلدان المنطقة. إيران يحكمها في الواقع هتلر جديد لا يقل بشاعة وإرهابا وإجراما عن هتلر الحقيقي. وفرنسا تعرف هذه الحقيقة وتعمل على ضرورة تحييد هذا النظام بما يكفل الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة. كما أن المواقف حيال القضية الفلسطينية وسورية والعراق واليمن متوافقة بين الرياض وباريس. وهناك اتصالات لا تتوقف بين الجانبين لدفع أي خطوة تهدف إلى حل هذه القضايا، بما يكفل السلام والأمن للشعوب التي تعيش محنها. ومن هنا، فإن المحادثات السعودية ــ الفرنسية، ستوفر آليات جديدة تخدم السلام الدولي، وتدعم الحراك الموجود أصلا. ناهيك طبعا عن التوافق في مسائل دولية أخرى تتطلب بالفعل التنسيق بين الجانبين بحكم موقعهما على الساحة العالمية. الحكومة الفرنسية تتعاطى مع المملكة كبلد ضامن للأمن والاستقرار في المنطقة، وهي تعول عليها كثيرا في مسألة مكافحة الإرهاب، وإيجاد التوازن الملائم لكل القضايا العالقة. وباريس تعلم أن الرياض كانت من أوائل الدول التي شنت حربها ضد الإرهاب، لأنها من أوائل الدول التي نالت منها هذه الآفة المصيبة. على الصعيد الاقتصادي، لم يتوقف الحراك المشترك بين البلدين، خصوصا في أعقاب إطلاق “رؤية المملكة”. فالمؤسسات الفرنسية تسعى لأن تكون لها حصص في عملية البناء الاقتصادي السعودي، ودخلت بالفعل في أكثر من مجال بما يخدم “الرؤية” المشار إليها. كما أن هناك مخططات لشراكات كبيرة ومتنوعة بين الجانبين، تضاف إلى الشراكات القائمة فعلا بينهما. ومن هنا، فإن زيارة ولي العهد لفرنسا تحمل معها كثيرا من الإنجازات التي تختص بمشاريع مختلفة، تشمل كل شيء تقريبا من الطاقة إلى التكنولوجيا والخدمات المالية والاستثمارات والترفيه والسياحة، أي المجالات مفتوحة لمزيد من الشراكات والاستثمارات المتبادلة بين الجانبين. إنها زيارة استراتيجية ستطلق أيضا مرحلة جديدة من العلاقات بين السعودية وفرنسا، بما يتناسب مع التحولات التي تجري على الساحة السعودية، وأيضا بما يتوافق مع موقع البلدين على الساحة العالمية بما يخدم الأمن والسلم العالميين.