قال إنّ الصحوة رحلت غير مأسوف عليها
الروائي الحمد: قطر مختطفة إخوانياً
قال الكاتب والروائي الدكتور تركي الحمد، إن الخطاب المتطرف غير قادر على احتواء متغيرات العصر وصناعة المستقبل، مؤكداً ضرورة إعادة تشكيل الخطاب الديني في السعودية، بما يكفل مرونته وعدم اصطدامه مع متغيرات العصر، كما اكّد أن المجتمع السعودي بدأ يعود إلى الوعي من جديد، ولم تعد أيديولوجيا الصحوة مغرية للكثيرين.
وذكر الحمد، أن تيارات الصحوة وراء إعاقة حركة التنمية والتطور، مما يحتم الأمر في الوقت الراهن ولادة سعودية جديدة، والتي بدأت تحرج من رحم التاريخ، الداعية للوسطية، والإسلام الحقيقي، عبر العديد من مجريات الإصلاح والتجديد، لتعود الروح لثقافة تكلست، ومحاربة طفيليات الفساد التي تتغذى على المال العام.
وتطرق الحمد في حديثه عن قطر، مؤكداً أنها مختطفة من قبل تنظيم الإخوان لتتحول إلى أضحوكة في مهب الريح.
الدكتور تركي الحمد، كاتب وروائي، تخصص في العلوم السياسية، وله مسيرة طويلة ومحطات صراع قديم حديث على الساحة الفكرية عبر عنها في حوار لـ (العربية.نت).
في بداية حوارنا، نود أن تُعلمنا عن أسباب غياب إصداراتك في معارض الكتاب في السعودية؟
أنا لأعرف الأسباب، وأظن أن تركي الحمد يصيب البعض بحساسية معينة، لدى بعض القائمين في المعارض، رغم أن المعرض احتوى كتباً تجاوزت طروحاتي بمراحل، إلا أن اسمي وكتبي تبقى تابوها معينا لدى البعض، وربما أن بقايا الصحوة المندثرة ما زالت تهيمن على بعض المفاصل، وهذا أمر مؤكد، هي من تقف وراء هذا الحجب، فتاريخي معهم منذ بدايتهم وصعودهم، ثم بداية أفولهم غير مأسوف عليهم، هم من يقفون وراء هذا الحجب، فأنا ممقوت لديهم، حتى لو كتبت نصاً مغرقاً في سلفيته. لعل اسمي الذي أصبح هاجساً لذوي الفكر الصحوي- وأقول فكرا تجاوزاً ومجازاً – رغم أنه بالفعل ظهرت أقلام بعدي تفوقني فكراً وجرأةً في التعامل مع الثالوث المحرم “الدين والجنس والسياسة”.
إذن هل اكتفيت بوسائل التواصل الاجتماعي على “تويتر”؟
بالطبع لا، ولكني لا أريد أن “أسلق” الكتب، فإما أن أنشر ما يستحق القراءة أو لا أفعل، وأنا اليوم بصدد عمل أدبي، يسير معي كالسلحفاة، أما بالنسبة لـ “تويتر”، فإن التغريدة اليوم أصبحت تغني عن مقالة من حيث المضمون الموجز، وتتفوق عليها من حيث السرعة والتأثير.
ما رأيك بالتحولات الكبيرة التي تشهدها السعودية الآن؟
نعم السعودية تشهد تحولات واسعة وسريعة، مع البرنامج الإصلاحي الذي أطلقه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فهو أمير شاب ذو طموحات واسعة ورؤية مستقبلية، مع الأمير الشاب هناك دماء جديدة تضخ في شرايين وأوردة الدولة السعودية، التي تراكم على جنباتها كوليسترول البيروقراطية المترهلة، والفساد الواسع المستشري، والخطاب الديني المتكلس، والذي لا يعرف سوى الخطاب الماضوي وثقافة الموت، والمجتمع المنغلق فاقد الحياة، والاقتصاد المعتمد على مصدر دخل واحد، والثقافة الرافضة للآخر.
لقد جاء الأمير محمد، وفي أقل من سنتين فتح كل الأبواب، ليجدد الخطاب الديني بممارسة الوسطية التي كانت المملكة قبل عام 1979، كل ذلك سوف يعيد السعودية، اقتصاداً وثقافةً ومجتمعاً، إلى الطريق القويم، وتعود بلداً طبيعياً يسعى إلى التنمية والازدهار كبقية بلاد هذا العالم، بعيدا عن التطرف والتقيد بأيديولوجيا دينية ما أنزل الله بها من سلطان.
أشعر بالسعادة بذلك التوجه، وأشعر بالابتهاج والتفاؤل بالمستقبل، وما يفعله هو علاج بالصدمة، لم يكن متوقعاً حتى عند أكثر المتفائلين، الذين كانت الأمور عندهم قد وصلت إلى طريق مسدود، في ظل فساد أصبح جزءاً من نسيجها، وفكرا دينيا متطرفا ومتكلسا مهمينا على مؤسساتها ومتحكما بالمجتمع ككل، بإيجاز العبارة، كان لا بد من إصلاح جذري كامل من أجل بقاء الدولة وحيويتها، وفي نفس الوقت كان هذا الإصلاح متعذراً لعدم قدرة الأوضاع سابقاً على مجابهة غول الفساد ووحش التطرف، خاصة أن الفكر المتطرف يستند إلى ذات الأيديولوجيا الدينية التي تستند إليها شرعية الدولة، مأزق حقيقي أشبه ما يكون بالحسكة الناشبة في الزور، إن بلغتها قتلت وإن نزعتها جرحت، حتى جاء الأمير محمد وقرر إجراء عملية جراحية سريعة لكل مناحي الحياة في البلد، فالحال لم يعد يحتمل المجاملة أو التسويف أو غض النظر، كما كان الأمر في الماضي، فإما نكون أو لا نكون، تلك هي المسألة على رأي شكسبير”.
وماذا عن محاربة الفساد؟
الفساد والتطرف الديني والاعتماد على مصدر دخل واحد، هو الثالوث المدنس الذي يهدد سلامة المجتمع، ووجود الدولة في المملكة العربية السعودية، وقد أدرك الأمير الشاب هذا الأمر، فكان برنامجه التجديدي يقوم على هذه المحاور الثلاثة:
تنويع مصادر الدخل، إعادة الروح لثقافة تكلست، ومحاربة طفيليات الفساد التي تتغذى على المال العام، وكما يقال، فإن معرفة المشكلة يشكل نصف حلها، وبذلك يكون الأمير قد وصل إلى نصف الطريق بتحديد المشكلة، وهو يقوم الآن بخطوات عملية للوصول إلى نهاية الطريق، بالفعل أنا متفائل من أن سعودية جديدة بدأت تخرج من رحم التاريخ، وأن أجيالا جديدة سوف تعيش في بيئة نظيفة خالية من الفساد والتطرف والخوف من المستقبل.
نصل للحديث عن الأنشطة الترفيهية في السعودية، كيف تراها؟
هي في الحقيقة ثقافة نفخ الروح وإعادة الحياة إلى مجتمع عاش لعقود تحت مظلة ثقافة الموت، حتى بات التفكير في المصير بعد الموت رعباً يهيمن على الفرد السعودي، بحيث شل قدرته على ممارسة الحياة وحب الحياة، رغم أن رب العالمين لم يخلقنا عبثا في هذه الحياة، بل خلقنا لنعمرها ونعيشها، لا أن نموت ونحن أحياء، قد تكون مثل هذه الأنشطة عادية في أي بلد آخر، ولكنها في السعودية صدمة لا بد منها كي تعود شرايين الحياة لدفق الدم من جديد.
كثر الحديث عن وجود الفكر الإخواني في المناهج التعليمة في السعودية، حدثنا عن ذلك؟
إن الإخوان كانوا موجودين في مؤسساتنا التعليمية منذ الستينيات من القرن الماضي، فاستراتيجيتهم الثابتة هي التسلل إلى السلطة رويداً رويداً من خلال المؤسسات التعليمية، حيث تغسل العقول وتزرع الأفكار، وتعيد صياغة المجتمعات، وكانوا مدعومين سابقاً، لأسباب سياسية تتعلق بالحرب الباردة العربية آنذاك، والصراع الأيديولوجي السعودي الإيراني حول من يمثل الإسلام، ومن له الحق في الزعامة الإسلامية والهيمنة على عالم الإسلام، ولكن رغم الثقة بالإخوان في مرحلة ما، ودعمهم لهم والثقة بهم وبصلاح منهجهم ونياتهم، إلا أنه تبين في النهاية مكيافيليتهم، وأن ولاءهم الأوحد هو للتنظيم والمرشد، وأن كل ما يفعلونه هو لعب بالسياسة لمصلحة التنظيم، ولا علاقة له بمبدأ أو عقيدة.
ربما أنت أكثر كاتب سعودي تعرض للتكفير والتفسيق ووجهت لك شتائم مقذعة.. هل تأسَّف لك أحد عن مواقفه السابقة معك؟
نعم، تأسَّف لي الكثيرون، وأكثرهم لم يفهموا ما كنت أطرح نتيجة الانقياد وراء فكر القطيع من ناحية، وتسليم عقولهم لغيرهم، وكنت أسر لذلك كثيراً، لا لأسفهم، رغم تقديري لذلك، ولا لنرجسية أجدها في نفسي، ولكن لسروري بعودة الوعي، وعودة العقل المغيب واستقلالية التفكير. ما رأيك بحملات التحريض على السعودية من جهات مختلفة بسبب ما يجري من إصلاح وتجديد!
هي مناورات مكشوفة، إذ حتى لو جعلت السعودية من أراضيها مسجدا كبيراً، وحبست النساء وراء جدران عالية، فسنجد نفس التحريض، وقد كانوا قبل هذا التجديد ينددون بانغلاق وتخلف السعودية، فلما انفتحت لم يتغير الخطاب، فالهدف في النهاية هو السعودية وليس ما تفعل، فعملية الإصلاح والتجديد في المملكة تقلق هؤلاء كثيراً، وخاصة ملالي إيران و”عثملية” تركيا، فكل قوة تكسبها المملكة وتبعدهم كثيراً عن تحقيق غايتهم، أما بالنسبة للحمدين، فإني أرثي لحالهما حقيقة، حين سلما مقاليد السلطة لكل من هب ودب، وجعلا من قطر مجرد أضحوكة stooge لا قيمة فعلية لها، مجرد ريشة في مهب الريح، والحمدان يعلمان كل هذه الحقائق، ولكنها الأحقاد الشخصية والأطماع الذاتية التي أضاعت قطر وأهل قطر.
قطر مختطفة من قبل تنظيم الإخوان الذي يمثله القرضاوي، وسلطان الله في أرضه، حفيد آل عثمان والساعي إلى إعادة “أمجادهم”، السيد أردوغان، وكل من هؤلاء يبحث عن مصلحته بطبيعة الحال، ومصلحتهم تقتضي خراب السعودية وانهيارها كقوة إقليمية، تقف في وجه مشاريعهم التي لا يمكن لها النجاح بدونهم.
مصر الناصرية كانت تعلم أنه لا نجاح لها دون سقوط الدولة السعودية، عراق صدام وليبيا القذافي وسوريا الأسد وغيرهم، كانوا يعلمون هذه الحقيقة فيحاولون الوصول إلى غايته بشتى الوسائل، حتى لو كانت هذه الوسائل غاية في القذارة، قطر ليست إلا وسيلة للوصول الى غاية في نفس إيران وتركيا، لا يلبثون أن يلقوا بها خارجاً عندما تتم غايتهم الكبرى في إسقاط الدولة السعودية، وهذا لن يحدث، فالدولة السعودية ليست جمهورية من جمهوريات الموز، بل هي كيان يمتد تاريخه إلى ما يقرب من ثلاثة قرون، مما يعني خبرة طويلة في الممارسة السياسي والتعامل مع محيطها.
ضج الإعلام حول عباءة المرأة وقيادتها للسيارة، كيف ترد؟
غريب أمرنا، دائماً ما نجعل من القضايا الهامشية قضايا مصيرية، ونغرق في لجة الجدل، مع أن القضية أبسط من البساطة، من وجهة نظري، اللباس يقع في إطار الحرية الشخصية طالما أنه في حدود الحشمة المجتمعية، والحشمة مسألة نسبية، فما هو محتشم في فرنسا مثلا قد لا يكون كذلك في أميركا، وما هو محتشم في الإمارات قد لا يكون كذلك في السعودية، والحشمة مفهوم متغير، فما كان خادشاً للحياء في وقت من الأوقات قد يصبح محتشما في وقت لاحق، وعلى ذلك يمكن القياس، المهم هنا هو أن لا يكون اللباس خادشا للحياء العام في مكان ما أو زمن ما، أما جعل الحشمة مفهوم مطلق يتجاوز الزمان والمكان، فهنا تكمن العلة.
لكونك مؤلف.. زادت في السنوات الأخيرة ظاهرة السرقات الأدبية حتى من أسماء معروفة مثل الداعية عائض القرني.. ما رأيك بها؟
الموضوع مرتبط بالحديث عن سلوكيات الأفراد، ولكني أحبذ نقاش الظاهرة ذاتها، فالسرقة الأدبية لصوصية تتجاوز لصوصية سارق المال والمتاع، فهي استيلاء على منتجات العقول، وتحتاج إلى قانون رادع وعقاب يفوق عقاب اللص العادي.
من المفهوم حين يغيب القانون، أو يكون موجوداً ولكنه يميز بين فرد وفرد حين التطبيق، إما لمكانته الاجتماعية، أو لهالة من القدسية أضفيت عليه، أما الاحتفاء به مجتمعياً رغم أنه دِين بالسرقة الأدبية رسمياً، فهذا أمر مفهوم أيضاً، أنها “سيكولوجيا الجماهير”، كما وصفها غوستاف لوبون، الجماهير تتعلق بأوهامها وأكاذيبها، حتى لو عرفت أنها أوهام، فهي مريحة للنفس، وتكره الحقائق لأنها تزعج سكينتها، ومن ذكرت أضفيت عليه هالة من قداسة مزيفة، وكان ينشر الأوهام هو ومن سار على نهجه، وكانت الجماهير تتشرب بها، وبالتالي فإنه مصدق لديهم، وإن سرق! فتصور لو أن تركي الحمد هو السارق الأدبي، ماذا ستكون ردة الفعل؟ اترك الجواب لتأمل القارئ.
سؤالي الأخير: حدثنا عن جدولك اليومي؟
ليس هناك الكثير ليقال، أصحو ما بين السابعة والثامنة عادة، ارتشف قهوتي السوداء بهدوء، لا سكر ولا كريم، وأنا أتابع أخبار العربية، أغير القناة إلى فيلم مصري قديم شاهدته ربما ألف مرة، وأنا أتناول إفطاري الذي عادة ما يتكون من زبادي أو لبنة، بيض مسلوق، مقدوس، سردين، واحياناً فول وتميس أو كبدة حاشي، وينتهي الفيلم الذي أعرف نهايته، وذلك في العاشرة تقريبا، ثم أذهب إلى مكتبي حيث عزلتي الأثيرة.
في العادة أقرأ وأغرد إن كان لدي ما أغرد به، وأتواصل مع الأصحاب عبر الواتس أب، وعند الثانية ظهراً أعود إلى صالة المنزل، حيث مجلس العائلة لتناول طعام الغداء، الذي هو كبسة أو طعام إيطالي، ثم أنام لمدة ساعة أو ساعة ونصف، أنهض بعدها لأرتشف قهوة تركية، ثم أعود للمكتب لفترة وجيزة، بعدها أخذ صغيري “راكان” في جولة على الأهل، أو قضاء بعض الوقت في مكان عام، نعود بعدها للمنزل حيث ينام راكان بحدود الثامنة مساء.. بعدها أبحث عن فيلم جيد أتابعه إلى العاشرة، بعدها ألجأ إلى صومعتي أقرأ، أغرد، أكتب أحياناً.