فارس عوض.. الرجل الذي ” أدّب ” التعليق الرياضي!
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
عندما يمتطي صهوة ” الميكرفون” يصبح التعليق جزءاً من لعبة كرة القدم , وليس وصفاً لها , فنقل هذا الفارس التعليق الرياضي من كونه انفعالات وعاطفة – غير منضبطة أحياناً – إلى قطعة أدبية مرتجلة تمزج دهشة الشعر بدروب السرد, وتقترب كثيراً من رفرفة الغناء, صوته لا يمكن تمييز طبقته أو القبض على مسارب لكنته, لكنه على أية حال يشبه ملامحه الأشبه بالفَراش , ولضبط المشهد يكون كالتالي : ملعب متلعثم بالخضرة التي تكاد أن تُزهر على هتاف الجمهور الذي يقترب كثيراً من حُمى الجنون ..تم تبتعد الكاميرا قليلاً حتى يبدو المعلب أشبه بمأدبة شبه مستديرة , في هذه اللحظة – ومن بعيد – نستطيع أن ( نرى) تعليق فارس عوض بوضوح , نعم , هو ذلك الفراش الذين يدور حول المائدة ليزيدها بهاءاً , و ( لم تكن الصورة السابقة دقيقة للتعريف بفارس عوض..أعلم ذلك ..لذا سنحاول مجددا) , يبدو: أقرب للغناء, لكنه ليس الكلام , ولا اللحن , شيء يشبه ومضة جملة موسيقية وَمضتْ بذهن ملحن عبقري ولم يستطع الإمساك بها جيداً , وفي سهوٍ ( لذيذ) فرّت تلك الجملة ( التي لن تُكتب بعد) وتسللت من جديد عبر جملة كانت من نصيب الناي , شعر الجميع بغرابتها لكن لا أحد يمتلك الشجاعة ليصف فرط إحساسها بالنشاز , وكأنها تدس الصمت ( ذلك المتواطئ مع حُرم الجمال) في ذائقة الناس , لم يتجرأ أحد على التصفيق خوفاً من أن تجفل تلك الجملة ولا تعود , ومع ( تلويحة ) كلمة ( لا تعود ) السابقة يتهدج سؤالاً : وأين يكمن المعلّق في هذا المشهد؟
- بالطبع ليس بتلك الجملة المدهشة ولا الناي , إنها تحديداً تلك الومضة الفاتنة , وتحديداً تلك اللحظة التي بدأ فيها اللحن يتشكّل وقبل أن يكتمل!
دوماً يحرر فارس عوض القصيدة من قوالبها فيجعلها تمشي حافية على خط التماس بملامح طفلة تحتفل بهدفٍ سجله والدها, ويأخذ المجاز من روح القصيدة ليعطّر بها أرواح لاعبي الوسط , لاعب الوسط العبقري دائماً مفتون بالمجازات والصور والأخيلة , فيما المهاجم جاد مهتم بالقافية فقط , القصيدة مباراة / محاولة للبحث عن الدهشة في أتون القصيدة , تمريرة عبقرية , يحولها مجنون – بطريقة غير متوقعة ( هنا يكمن سر الفتنة) إلى لسعة توقظ الدهشة وتفجّرها بـ ( ياربااااااه ), هذه الكلمة التي كأن فارس عوض أعادها من غياهب التاريخ والعجب لتصبح فيما بعد الأيقونة التي ينقلها الرياضيون معهم في كل سياقاتهم من فرحهم إلى سخريتهم وتهكمهم !
وأخيراً : الحديث عن فارس عوض كالحديث عن رائحة عطر أو محاولة طلب أغنية عبر وصف للحنها , هو باختصار: الروح التي تجعل الـ 90 دقيقة أقل من ذلك بكثير!
فهيد العديم
صحيفة (الرياض)