لم يخطر ببالي مطلقاً، بأنني سأكتب مقالاً يدعو لإغلاق وسيلة إعلامية، فالكتاب ــ والمثقفون على وجه العموم ــ يُحاربون ذلك بشراسة وقوة، ويدعون لاستخدام أساليب وطرق “حضارية” تعتمد على الحوار والمواجهة والتصدي.
لا يوجد أحد يُمارس “لعبة الإعلام” بمختلف أشكاله وألوانه، يُطالب بإغلاق قناة أو صحيفة أو منصة إلكترونية، إلا إذا تحولت تلك الوسيلة الإعلامية إلى أداة تبث الكراهية وتُحرّض على الإرهاب.
لقد أصبحت قناة الجزيرة التي انطلقت في الأول من نوفمبر 1996 كقناة إخبارية عربية مستنسخة من قناة “بي بي سي” العربية بكل كوادرها ومرتكزاتها وإمكانياتها تحت شعار جذاب “الرأي والرأي الآخر”، مخلب قط يُمارس الإيذاء والتحريض والتعريض على كل الاتجاهات والمستويات.
لقد استطاعت هذه القناة البرّاقة التي بدأت قبل عقدين كمنصة إخبارية تتحلى بالمهنية والاحترافية وتتمتع بقدرة إعلامية هائلة، أن تكسب قاعدة جماهيرية عربية واسعة، ما منحها فرصة كبيرة لأن تتغلغل في مشاعر ووجدان ومزاج الشارع العربي بمختلف مكوناته وتعبيراته. بدايات، كانت من أجل كسب/غسل القلوب والعقول، ولكن سرعان ما كشّفت عن توجهاتها الخبيثة وأجنداتها المشبوهة، وتحولت إلى منبر إعلامي للجماعات والمنظمات الإرهابية، وواجهة بغيضة لاستقطاب رموز التشدد والإجرام وإظهارهم كرجال دين وسياسة. لقد تحولت هذه القناة المريبة إلى ذراع إعلامي للكثير من التنظيمات والجماعات الإرهابية كالقاعدة والإخوان وداعش وغيرهم.
حينما تتحول الوسيلة الإعلامية إلى أداة لقتل وسفك دماء الأبرياء، وحينما تتحول إلى منصة عالية لصناعة الكراهية وتشريع الإرهاب، وحينما تتحول إلى مظلة كبرى للأفكار والممارسات الإجرامية، فهي أبعد ما تكون عن القيم والأطر والتقاليد الإعلامية، ويجب أن يُقطع لسانها الذي يبث السموم والكذب والكراهية.
والإعلام، بمختلف وسائله ووسائطه وتفاصيله المختلفة، منظومة صناعية لها أدواتها وآلياتها ومقوماتها، وهو خاضع للكثير من مظاهر السيطرة والاصطفاف والتوجيه، وهو سلة شهية تحوي الكثير من الأساليب والألاعيب والحيل الإعلامية، وهو يُقارب مساحات وفضاءات الحرية والنزاهة والشفافية والحياد بنسب متفاوتة تبعاً للظروف والمصالح والتداعيات. هذا هو الإعلام الذي يُسلّم به الكل بلا استثناء، ولكنه رغم كل ذلك، لا يجب أن يكون أداة للقتل والعنف والتحريض والإرهاب.
لقد استخفت قناة الجزيرة بكل القيم والتقاليد والقوانين الإعلامية، وتبنّت نهجاً إعلامياً تحريضياً، تسبب ومازال في تصدع الوطن العربي والإسلامي، والذي يُعاني أصلاً من تصدعات وتشوهات وانقسامات منذ عقود طويلة.
إغلاق الجزيرة وغيرها من قنوات الفتنة والتحريض والتجييش، لم يعد مطلباً رسمياً تُطالب به الدول والمؤسسات والنخب، ولكنه صرخة مدوّية تحملها أغلب المجتمعات العربية بكل فئاتها وشرائحها.
إن السيطرة على إعلام الإرهاب والقتل والتحريض، هو الخطوة الأولى في معركة تجفيف منابع التشدد والعنف والإرهاب.
(فاضل العماني – الرياض)