غرابيب سود: الحقيقة المرة
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
يبدو أن رمضان، لم يعد كما كان، شهراً للصوم والعبادة والتقوى، وروزنامة للمتعة والبهجة والسعادة، ومساحة للمودة والألفة والحفاوة. فقد تحول رمضان إلى بازار كبير تُعرض فيه كل الأفكار والبضائع والبرامج لأنه باختصار أصبح موسم ذروة كبرى لكسب الملايين من الأموال والعقول.
لست بصدد الكتابة عن واقع هذا الشهر الكريم، فتلك قضية شائكة ومعقدة، وتحتاج للكثير من النقاشات والاستدلالات والقناعات، ولكنني سأكتب عن ظاهرة رمضانية تكاد تتكرر منذ سنوات طويلة، ألا وهي طغيان الدراما بشكل تسونامي خلال أيام وليالي هذا الشهر الفضيل، إضافة إلى مقاربة الجدل واللغط والاتهام الذي تتعرض له الدراما الرمضانية.
يُمثل شهر رمضان الكريم شاشة كبرى يستغلها صنّاع الدراما العربية لعرض كل ما تنتجه من مسلسلات وبرامج ومسابقات، ما أصاب المشاهد العربي نتيجة هذه “التخمة الفضائية” بمغص درامي وسوء هضم فني.
ورغم الهوس الشديد الذي يُسيطر على الجمهور العربي بمشاهدة هذا الكم الهائل من المسلسلات والبرامج الفنية، خاصة في شهر رمضان، إلا أن المشاهد العربي مازال يتعاطى مع الدراما والفن عموماً بشيء من الشك والريبة والتخوين.
وحتى أصل سريعاً لفكرة المقال، سألتقط عملاً درامياً أثار الكثير من الجدل والخلاف والاتهام، بل والتهديد بالقتل أيضاً، وهو “غرابيب سود”.
وغرابيب سود، لفظ قرآني ورد في الآية (27) من سورة “فاطر”: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَال جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ)، بمعنى الجبال السود، وقد استخدم هذا التشبيه للإشارة لتنظيم داعش الذي يتخذ من السواد شعاراً له في كل تفاصيله.
ويُحاول هذا المسلسل الدرامي أن يعرض القصة الحقيقية لهذا الفكر المتشدد الذي يُمارس أبشع الجرائم في حق الإنسانية. وحتى يُبرهن صنّاع هذا المسلسل على ضرورة وأهمية كشف حقيقة هذه الجماعة الخارجة على كل القيم والأعراف والمعتقدات، يعرض في حلقاته المثيرة الكثير من الجرائم الحقيقية التي ارتكبها هذا التنظيم الإجرامي في العديد من الأقطار العربية، كإعدام 13 فتى في مدينة الموصل العراقية لمجرد أنهم شاهدوا مباراة لكرة القدم، وحادثة إحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، وقصص مروعة لحالات بيع واغتصاب الفتيات تحت مسميات مشبوهة كتجارة الإماء وجهاد النكاح، وتفخيخ عقول وأجساد الشباب للقيام بعمليات انتحارية، وتفجير المساجد ودور العبادة.
غرابيب سود، عمل درامي مهم، يكشف حقيقة ذلك الفكر الظلامي الذي يُهدد حياة البشرية. وإن محاربة هذه الفكر المنحرف الذي تحول إلى سرطان خبيث ينخر في جسد العالم، تتطلب وقفة جادة من قبل كل قوى العالم مستخدمة كل الوسائل والطرق والأسلحة التي توقفه عند حده.
كثيرة هي الأسلحة والحلول التي يجب أن تُستخدم لمحاربة هذا الفكر المتشدد، كتربية النشء على التسامح والانفتاح وانتقاء الإسلام الحقيقي الوسطي المعتدل وتنقية المناهج والخطب والمنابر ومراقبة وسائل الإعلام المختلفة وتجفيف منابع الإرهاب وغيرها، ولكن السلاح الأكثر قوة وجذباً وتأثيراً هو الدراما والفن على وجه العموم.
(فاضل العماني – الرياض)