ثقافة
نادي الشرقية الأدبي.. الانتصار الثالث للثقافة
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
لم يكن تأييد محكمة الاستئناف في المنطقة الشرقية للحكم القضائي الذي أصدرته المحكمة الإدارية في الدمام بعدم أحقية التحقيق مع رئيس النادي الأدبي في الشرقية محمد بودي وإعادة تسليم النادي إليه وإلى المجلس المنتخب، وإجبار وكيل وزارة الثقافة والإعلام السابق بكتابة اعتذار خطي للناقد والإعلامي بودي، لم يكن كل هذا مجرد انتصار طارئ في قضية ثقافية عابرة صغيرة، بل يمثل حدثا مميزا في تاريخ الثقافة والأندية الأدبية السعودية وحراكها في سبيل الفكر والنقد والحرية، وإن لم تتناوله الأقلام الصحافية للأسف بشيء عميق من الاهتمام والنقد والتحليل، لنتخيل ولوهلة واقع النادي العملي لو أن الوزارة استطاعت إلغاء المجلس المنتخب، ووأد أفكاره وطموحاته الثقافية، وتعيين مجلس بديل باختيارها وبحسب توجهاتها مهما كانت، ولنتخيل كذلك ما هو أهم من ذلك وهو زعزعة إيمان وثقة المثقف بأي انتخابات في المستقبل سواء ثقافية أو اجتماعية، وما المثقف إلا ضمير المجتمع وصوته العاقل المستقل، وما المؤسسة الثقافية المستقلة إلا أحد ركائز المجتمع المدني المنشود.
منذ فوزه في انتخابات مجلس نادي المنطقة الشرقية الأدبي عام 2010م، الفوز الذي يعد الانتصار الأول في تاريخ مجلس الإدارة المنتخب، ومنذ باكورة أفكاره وقمة برامجه التي تمثلت في إقامة ملتقى دارين الثقافي الأول عام 2011م الذي ناقش واقع والتحديات التي تواجه المجلات الثقافية في دول مجلس التعاون الخليجي ونقد تحليل دورها في التنمية المعرفية والثقافية، منذ ذلك الحين تعطلت الثقافة المنتخبة عدة سنوات بسبب تداول المحكمة لتلك القضة المشهورة التي شغلت الوسط الثقافي بين مجلس النادي ووزارة الثقافة والإعلام، حتى عاد المجلس المنتخب إلى النادي بحكم قضائي عام 2016م مثل الانتصار الثاني لمجلس الإدارة، حيث عادت الحياة إلى النادي من جديد.
وتأكيدا لاستحقاق مجلس إدارة النادي بكسب تلك القضية وتأكيدا لدوره وقدرته على الإبداع والتجديد وقيادة دفة النادي الثقافية، جدد مجلس إدارة النادي ثقة المنتخبين بانتصار ثالث للثقافة أثبت أحقيته وحيويته وتألقه في قيادة النادي وحسن التخطيط من خلال إقامة ملتقى دارين الثقافي الثاني الذي حمل عنوانا مهما وملامسا للواقع وهو (المؤسسات الثقافية الأهلية والخاصة: المنجز وآفاق المستقبل)، بداية حسبته ملتقى محليا يناقش المؤسسات الثقافية والمنتديات الأدبية الأهلية في السعودية، وبعد وصولي للمشاركة وجدته ملتقى خليجيا يشارك فيه مؤسسات من الكويت والبحرين والإمارات وقطر، وما لبثت ساعات حتى تأكد لي بأنه ملتقى عربي يضم مؤسسات واتحادات ومشاركين من تونس والجزائر والمغرب والأردن، ولكن سريعا ما اكتشفت بأنه يستحق بأن يكون ملتقى دولي بسبب مشاركة مؤسسات وأدباء من السنغال وإسبانيا واليابان وماليزيا وتركيا، وضيف شرف ثقافي كبير وهو دولة طاجيكستان.
في ملتقى دارين الثقافي الثاني وعبر جميع جلساته تحدث أصحاب المؤسسات الثقافية الأهلية والمنتديات الأدبية المستقلة من مختلف البلدان المشاركة عن تجاربهم المختلفة والمتنوعة، تجاربهم في إدارة وصناعة البرامج والمشاريع الثقافية والتحديات التي تواجهها، وتجاربهم في إدارتها ودعمها ماليا، تحدثوا عن إسهاماتها ومنجزاتها في خدمة الحركة الإبداعية والثقافية في بلدانهم، ودورها في احتواء تطلعات وأفكار الشباب عبر مختلف المبادرات والبرامج.
تؤكد فكرة ملتقى دارين الثقافي أن المشهد الثقافي بحاجة لمثل هذه الملتقيات التي تجمع أصحاب المؤسسات الثقافية الأهلية وتناقش التجارب والأفكار وتطرح الإشكاليات وتبحث الحلول، مثل هذه المؤسسات تدخل في صميم هيكلة وفاعلية المجتمع المدني الذي هو الحراك الحقيقي للمجتمعات وهو الصورة الفعلية لتطورها الفكري والثقافي وحتى الاقتصادي والسياسي، رأينا انتشار المنتديات الأدبية الأسبوعية والشهرية في السعودية، ولسنوات وما زالت مثار جدل بين من يقول أنها للوجاهة الاجتماعية ومهددة بالاندثار فور غياب ومغادرة مؤسسيها، وقائل يقول العكس بأنها استطاعت تقديم برامج وتجارب تجاوزت بعض الأندية الأدبية المدعومة حكوميا، تواجه المؤسسات الثقافية الأهلية المحلية المستقلة تحديات كثيرة أبرزها القوانين والأنظمة التي تحد من حريتها في العمل واستقلاليتها في التفكير وتقتل روحها وجوهرها الثقافي، أحيانا بواسطة موظفين إداريين في محافظات المدن لا يفقهون شيئا عن الفكر والثقافة، وأحيانا بأنظمة مركزية تحارب مجرد التفكير ناهيك عن الإبداع.
في طريقنا نحو رؤية السعودية 2030 يحتاج المجتمع المدني لتركيز واهتمام كبيرين من خلال تشجيع المزيد من المبادرات وتأسيس وتطوير المؤسسات الثقافية المستقلة استقلالا إداريا وماليا وفكريا تاما، ومن أجل الارتقاء بمفهوم المجتمع المدني نحتاج إلى دعمها وتحسين وضعها القانوني عبر إلغاء أو تقليل القيود المفروضة عليها مثل الأنظمة والتعاميم التي تحد من إنتاجها وتأثيرها الثقافي والاجتماعي، وتحد من قدرة وحرية أصحابها على العمل والتخطيط والتفكير والإبداع والإنتاج.
لتكن الرؤية الجديدة منصة تاريخية لانطلاق مسبار الإبداع الثقافي الذراع المهمة في تشكيل الوعي والرأي العام لأي مجتمع، والتوأم الحيوي لأية رؤية اقتصادية، صحيح هناك مبادرات حكومية تهتم بالثقافة، ولكن لنسمح للمجتمع المدني أن يخلق مؤسساته الثقافية الأهلية، وتقوم المؤسسات الحكومية بدورها بتقديم الدعم والتشجيع وإزالة العقبات عن طريقها.