هجوم مطار كراتشي .. تحول مقلق في أساليب طالبان
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
كراتشي ـ رويترز :
كانت الأحذية هي ما كشفت لفايز محمد عن هوية المسلحين ولولا هذا الاكتشاف لكان في عداد الأموات.
عندما هاجم عشرة مسلحين من حركة طالبان أكثر مطارات باكستان ازدحاما مساء يوم الأحد وبدأوا معركة استمرت خمس ساعات سقط فيها 34 قتيلا على الاقل كان محمد ورفاقه من الضباط في قوة أمن المطارات هم خط الدفاع الأول.
وقال محمد (30 عاما) “سادت لحظة من الارتباك لأن المسلحين كانوا يرتدون نفس الزي الذي كنا نرتديه. ثم شاهدنا أحذيتهم.”
فرجال قوة أمن المطارات يرتدون أحذية سوداء من الجلد لكن الرجال الذين اقتحموا مطار جنه الدولي في كراتشي العاصمة التجارية لباكستان كانوا يرتدون أحذية خفيفة ذات نعال بيضاء.
عندما انبلج نور الفجر كان المسلحون العشرة قتلى إما بنيران قوات الأمن أو بتفجير ستراتهم المفخخة.
لكن فشل طالبان في تحقيق هدفها الرئيسي في اختطاف المطار واحتجاز الركاب رهائن يجب ألا يمنح رئيس الوزراء نواز شريف شعورا بالارتياح. فالهجوم مؤشر على تحول مقلق في أساليب عدو تتزايد قوته.
وجه الهجوم على مطار مدينة كراتشى التي يقطنها 18 مليون نسمة لطمة لمساعي شريف لجذب استثمارات أجنبية لإنعاش الاقتصاد. كما حطم الآمال في إجراء محادثات سلام مع طالبان وجعل شن هجوم عسكري شامل على معاقل الحركة أمرا في حكم المؤكد.
وقالت مصادر في الحركة إن ضربات جوية شنتها القوات الحكومية على معاقل في إقليم وزيرستان الشمالي هي السبب في هذا التحول التكتيكي. فقد اتجه المسلحون لضرب باكستان في العمق انطلاقا من الغضب الذي أثارته الغارات وتحسبا لهجوم بري.
وأكد قائد كبير في طالبان لرويترز أن الهجمات تمثل استراتيجية جديدة للتصدي لاستعدادات حكومية لعملية واسعة النطاق في وزيرستان الشمالية.
وقال القائد “قررنا تغيير استراتيجيتنا وضرب مراكزهم الاقتصادية الرئيسية. فهم سيقتلون أبرياء بقنابلهم ونحن سنضرب مراكزهم العصبية في المدن الكبرى.”
وقال طارق عظيم المسؤول في إدارة شريف إن عملية عسكرية واسعة النطاق أصبحت وشيكة في وزيرستان الشمالية وبدا أنه يوطد النفس على ما قد يؤدي إليه ذلك من هجمات في مناطق أخرى من باكستان.
وقال “الكل يدرك أنه سيكون هناك رد فعل.”
* نموذج مومباي ومركز وستجيت التجاري
على الأرجح ستعتمد طالبان على مجموعات صغيرة من المسلحين لتنفيذ عمليات تحدث أثرا كبيرا وتستغرق فترة طويلة من الوقت مثل عملية مومباي عام 2008 ومركز وستجيت التجاري في نيروبي العام الماضي.
وقال محمد أمير رانا مدير معهد باكستان لدراسات السلام في اسلام اباد “في مومباي وفي كينيا ستجد أوجه تشابه كثيرة… وهم يتبنون ذلك كاستراتيجية أساسية.”
وأوجه الشبه بين هجومي كراتشي ومومباي مفزعة ومفيدة.
فهجوم مومباي أكبر مدن الهند شنته جماعة معادية للهند تعمل انطلاقا من باكستان تدعى عسكر طيبة. استمر الهجوم ثلاثة أيام وسقط فيه 166 قتيلا.
ومثلما حدث في كراتشي كان الهجوم جيد التخطيط وشارك فيه مسلحون مدربون تدريبا عاليا ومدججون بالسلاح. وفي الحالتين انقسمت المجموعة المهاجمة المكونة من عشرة أفراد إلى مجموعات كل منها من فردين يحمل كل منهما حقيبة ظهر مليئة بالمؤن والذخائر استعدادا لحصار طويل.
في مومباي استخدم المهاجمون هواتف محمولة للتنسيق مع قادة يوجهونهم في باكستان ومع بعضهم بعضا في ذروة المعركة. وشوهد المهاجمون في كراتشي وهم يستخدمون الهواتف المحمولة أيضا خلال الهجوم.
وقالت جماعة عسكر طيبة إنه لا صلة تربطها بأي هجمات على الاراضي الباكستانية ولا يوجد دليل على أنها تعمل مع حركة طالبان. وتتهم الهند عناصر في الجيش وجهاز المخابرات الباكستانيين بحماية الجماعة أو العمل معها.
لكن لا الجيش ولا المخابرات استطاعا إحباط الهجوم الذي شنه عشرة رجال خرجوا من عربة ميني فان قرب مبنى البضائع في مطار كراتشي مساء الاحد الماضي.
بدأ الهجوم في الساعة 11.05 مساء عندما اجتاز خمسة مسلحين بوابة فوكر ببنادق آلية وقنابل يدوية. وبعد دقائق عندما بدأ رجال قوة أمن المطارات محاولة صد الهجوم هاجمت مجموعة ثانية من خمسة أفراد أيضا بوابة البضائع القريبة. وتسمح البوابتان بالوصول إلى منطقة البضائع في غرب المطار.
وأشاد عظيم المسؤول بإدارة رئيس الوزراء بقوة أمن المطارات لكنه سلم بصعوبة حماية المطار الذي يمتد على مساحة كبيرة.
وقال عظيم “تحتاج إلى لواءين لتغطية … كل شبر فيه. فأي مدخل يقف عليه اثنان أو ثلاثة أو أربعة مسلحين بالكامل. لكن زخة واحدة من (نيران) مدفع رشاش ستقتل الأربعة ويمكنك الدخول.”
عندما انطلق فايز محمد عدوا عبر أرض المطار وعلى كتفه بندقيته الكلاشنيكوف الآلية لتدعيم زملائه في القوة كان أربعة منهم قد لقوا حتفهم بالفعل.
قال فايز “رجالنا كانوا يقاتلون بلا هوادة.”
أصيب في فخذه لكنه اضطر مثل زملائه المصابين للانتظار حتى أصبح الطريق آمنا لدخول سيارات الإسعاف وإجلائهم.
وقال مسؤول أمني باكستاني كبير طلب عدم نشر اسمه “أبدت قوة أمن المطارات مقاومة عنيفة ومن الواضح أن هذا زرع الذعر في نفوس المهاجمين الذين تفرقوا ثم قضت عليهم قوات الأمن في نهاية الأمر.”
وأدى تفرق المسلحين إلى زيادة الخسائر وتسبب في استدعاء مزيد من القوات.
بحلول الساعة 11.30 مساء وصلت فرقة من الشرطة والقوات شبه العسكرية إلى المطار وبعد 30 دقيقة وصلت وحدة من الجيش. وشكلت هذه الوحدات ما وصفه عظيم بخطي الدفاع الثاني والثالث عن المطار وهو ما أوقف تقدم المسلحين إلى مبنى الركاب الرئيسي في شرق المطار.
* “كنت مرعوبة”
تخلل صوت طلقات الرصاص دوي إطلاق المسلحين قذائف صاروخية بين الحين والحين. فقد جاءوا مستعدين لمعركة طويلة.
وكانت الحقائب التي يحملونها على ظهورهم تحتوي على مياه وأدوية ومواد غذائية. وقال مسؤول أمني يشارك في التحقيقات إن البعض شوهدوا وهم يستخدمون هواتف محمولة خلال الهجوم. ولم يتضح ما إذا كانوا يتحدثون مع بعضهم البعض أو مع قادة في مكان بعيد.
كانت فيمرافات وايزتسوم ترى الانفجارات وتسمعها من مقعدها على طائرة الخطوط الجوية التايلاندية. كانت الطائرة محتجزة قرب الممر مع طائرة أخرى تابعة لطيران الإمارات وعليها مئات الركاب. وراودت فيمرافات الشكوك أن مختطفين متنكرين صعدوا إلى الطائرة.
قالت للصحفيين عقب وصولها إلى بانكوك “كنت مرعوبة. جلست دون حراك ولم أجرؤ على الالتفاف.” وتم إجلاء ركاب الطائرتين بسلام فيما بعد.
عقب منتصف الليل وبعد تعليق كل الرحلات الدولية المغادرة وتحويل كل الرحلات القادمة إلى مطارات أخرى وقع انفجار كبير قرب بوابة فوكر إذ فجر المسلح الأول سترته الانتحارية.
في الوقت نفسه كان القتلى والجرحى ينقلون إلى مستشفى جنه القريبة. وارتفعت أعدادهم باطراد طوال الليل وفي الصباح أعلن المستشفى مقتل 16 شخصا وإصابة العشرات.
ومع اشتداد حدة القتال في الخارج لجأ سبعة من موظفي شركة لشحن البضائع إلى أحد المخازن لكن قرارهم كان مشؤوما. فقد ماتوا حرقا.
وفي موقع آخر اختبأ حميد خان (22 عاما) ويعمل فنيا مع ثمانية آخرين في أحد الحمامات بشركة لصيانة الطائرات. ونسفت قنبلة يدوية جانبا من السقف وأصيبت حاوية قريبة بعدد كبير من الطلقات.
وصاح صوت “إن كان أحد بالداخل فليخرج الآن”. ولم يستطع حميد أن يعرف إن كان صاحب الصوت صديقا أم عدوا.
وظل حميد وزملاؤه على صمتهم دون حراك. وقال بصوت متهدج “كنت خائفا جدا حتى أنني تلوت الشهادتين.”
ثم نسف اثنان آخران من المسلحين نفسيهما. وبحلول الساعة الرابعة صباحا كان العشرة قد سقطوا قتلى وتناثرت أشلاء جثثهم على أرض المطار. وشارك في التصدي لهم 150 من رجال الأمن.
وقالت القوات شبه العسكرية إنهم من الأوزبك. وكثيرا ما يتهم المسؤولون الباكستانيون متشددين أجانب بشن هجمات مع حركة طالبان.
وقال المسؤول الكبير في حركة طالبان باكستان لرويترز “نحن نعترف بأننا نفذنا هذا الهجوم بمساعدة جماعات أخرى شقيقة من المجاهدين.”
* هجوم ثان
وفي ضوء النهار كان أكثر مطارات باكستان ازدحاما أشبه بساحة حرب. تصاعد الدخان من مبان أصابها الدمار. واستخرج رجال الإنقاذ جثث موظفي شركة الشحن السبعة وقد تفحمت بالكامل ليرتفع عدد القتلى إلى 34 قتيلا.
وخرج حميد خان ومن معه من مخبأهم دون أن يمسهم أذى. وقال حميد “أحسست أن الله استجاب لدعائي.”
وقال مسؤول أمني كبير لرويترز إن أضرارا لحقت بثلاث طائرات ركاب كانت تربض خالية خلال المعركة. وأظهرت لقطة بالقمر الصناعي من جوجل إيرث تدمير طائرة رابعة بالكامل.
غير أن المسؤولين لم يستطيعوا تأكيد تدمير أي طائرة.
ومع استئناف الرحلات وبدء رفع آثار الهجوم هاجمت طالبان المطار مرة أخرى. ففي مساء يوم الثلاثاء فتح مسلحون يركبون دراجات نارية النار مرة أخرى على أكاديمية تابعة لقوة أمن المطارات لكن لم تقع إصابات.
وقال شهيد الله شهيد المتحدث باسم طالبان لرويترز إن هجمات كثيرة من هذا النوع ستقع في المستقبل.
واتفق معه في الرأي عادل نجم عميد كلية باردي للدراسات العالمية بجامعة بوسطن إذ قال إن هجوم كراتشي “ليس مجرد هجوم إرهابي آخر… فهو من أحدث الاشتباكات فيما أصبح الآن حربا حقيقية بين الجيش الباكستاني وحركة طالبان. الحرب دائرة وتوقعوا تصعيدها.”