خادم الحرمين: السعودية تقدم أنموذجاً يحتذى لحماية الحقوق والحريات المشروعة
أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – أنّ المملكة العربية السعودية تحرص على أن تقدم أنموذجًا يحتذى لحماية الحقوق والحريات المشروعة، وتحقيق الرفاه والتنمية الشاملة للمجتمع، بما يتوافق مع القيم الإسلامية، ويحافظ على الأمن المجتمعي والتألف بين أفراده، ويعزز التمسك بدينه، والثقة والوئام بين المواطن والمسؤول.
وقال في الكلمة التي ألقاها نيابة عنه – الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة اليوم في افتتاح المؤتمر الدولي بعنوان “الاتجاهات الفكرية بين حرية التعبير ومُحْكَمَات الشريعة” الذي تنظمه رابطة العالم الإسلامي ممثلة في مجمعها الفقهي وذلك في مقر الرابطة بمكة المكرمة:
يسعدني أن أنقل إلى جمعكم المبارك تحيات سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وقد شرّفني – يحفظه الله – بأن ألقي كلمته هذه في حفل افتتاح مؤتمركم الموقر كما يسرّني بداية أن أرحب بضيوفنا الأفاضل، وهذا الحضور الزاخر بكم معاشر العلماء الراسخين في العلم، وقد تداعيتم إلى أفياء أم القرى، على أمر جلل للفصل فيه بما يحفظ على أمتنا رشدها ورشادها .
وقال حفظه الله: (إنّ حرية التعبير التي يناقش مؤتمركم الاتجاهات الفكرية بينها وبين مُحْكمَات الشريعة، إنما هي – كما هو معلوم بالضرورة – فرع أصيل من المفهوم الكلي للحرية (المشروطة) في الإسلام، حيث خلق الله الناس أحرارًا، وتفضّل عليهم بنعمه فأكرمهم.
ولا شك أنّ من كرامة الإنسان أن يكون من حيث الأصل، حرًا في التصرف والاختيار، كما أن شريعتنا الإسلامية الغراء قضت بحفظ دم الإنسان وماله وعرضه، فحرّرته من كل عبودية عدا عبوديته لخالقه، شريطة التزام الإنسان بالضوابط التي شرعها – سبحانه وتعالى – بما يحقق صلاح حاله في دنياه وأخراه .
وأضاف: حسنا فعل مجمعكم الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة قبل نحو ثماني سنوات، حيث أكد أن التعبير عن الرأي حق مُصان في الإسلام، وفقًا لضوابط الشريعة ومن أهمها:
• أن تكون الغاية مرضاة الله تعالى، وخدمة مصالح المسلمين.
• ألا يتضمن الرأي أيّ تهجّم على الدين أو شعائره أو شرائعه أو مقدساته.
• التزام الموضوعية والصدق والنزاهة والتجرد عن الهوى، والمحافظة على مصالح المجتمع وقيمه، وعدم الإخلال بالنظام العام للأمة، أو إحداث الفُرقة بين المسلمين .
• أن تكون وسيلة التعبير مشروعة، مع عدم الإساءة للغير، ومراعاة قاعدة التوازن بين المصالح والمفاسد.
• أن يكون الرأي مستندًا إلى مصادر موثوقة وأن يتجنّب ترويج الشائعات.
هذا وقد صدر عن المجمع أربع توصيات تحمي ما تقدم.
ولكننا في الآونة الأخيرة شهدنا العديد من السجالات والتجاذبات واللغط حول حرية التعبير، خاصة في الفضاء الفكري المفتوح بلا ضوابط، ونحن إذ نؤمن بسعة الشريعة الإسلامية وحفظها للحقوق والحريات (المشروعة) إلا أنه يتحتم علينا الالتزام بهديها الحكيم في مواجهة المحاذير الخطيرة التي يعجّ بها هذا الفضاء، ضمانا لسلامة منهج أمتنا بما لها خصوصية دينية وحضارية, تميزها عن الأمم الأخرى، فمن حقّنا بل من واجبنا أن نراعي هذه المقومات والخصوصيات في المعايير المعرّفة لحقوق الإنسان في الأنظمة الأساسية (أو الدساتير) التي تحكم الدول الأخرى, والأنظمة الفرعية التي تنظم وتكفل الحقوق والحريات فيها, بحيث نأخذ منها ما يلائم هذه الخصوصية, ولا ننجرف إلى ما يخالف شرعنا الحنيف.
لذلك.. فقد حالف التوفيق مجمعكم المبارك، وهو يعيد اليوم طرْق الموضوع ذاته مجددًا، لمواجهة ما نعيشه من تحديات صعبة، يلعب فيها الفكر دورًا خطيرًا – سلبًا وإيجابًا-وتتطلع الأمة إليكم لوضع الخطط والبرامج المتنوعة لقراءة المشاهد الفكرية قراءة معمّقة، وفحص أطروحاتها المنهجية، والأخذ بالجوانب الإيجابية فيها، وتوظيف تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في خدمة ديننا وتنمية أوطاننا ورفاهية شعوبنا، على أن يتم ذلك كله بما يتفق وخصوصيتنا الإسلامية.
وقال -حفظه الله – : كذا يؤمل من هذا المؤتمر أن يسهم بإضاءات مميّزة تتعلق بموضوعه، تزيل الشبهات حول منهجنا الإسلامي التي تنشأ غالبًا عن فهم قاصر أو تصوّر خاطئ لحقائق الإسلام، أو اندفاع غير متوازن في الرؤى والتصوّرات جهلًا أو عمدًا.
وأكد أن المملكة تحرص على أن تقدم أنموذجًا يحتذى لحماية الحقوق والحريات المشروعة، وتحقيق الرفاه والتنمية الشاملة للمجتمع، بما يتوافق مع القيم الإسلامية، ويحافظ على الأمن المجتمعي والتآلف بين أفراده، ويعزّز التمسك بدينه، والثّقة والوئام بين المواطن والمسؤول.
ونتمنى من ذوي الاهتمام بالشأن الإسلامي، والمؤثرين في مجتمعاتهم، أن يركّزوا على إبراز المزايا التي يقدمها الإسلام في الحفاظ على كرامة الإنسان، والحرص على إسعاده وتنمية الفضائل فيه، وتوجيهه نحو الخير والنفع والتأثير الإيجابي، وأن يعرضوا حقوق الإنسان في صورتها المترابطة الكاملة حقوقًا وضوابط. كما أن المأمول من وسائل الإعلام والاتصال والنشر، أن تكون أداة خير لنشر القيم الروحية والإنسانية، والشعور بمسؤولية الكلمة وأمانتها، وخطر بث المواد والمعلومات المسيئة لمنظومة القيم والمثيرة للفتن.
وقد حفلت أنظمتنا في المملكة بهذه الضوابط حيث نصت المادة التاسعة والثلاثون من النظام الأساسي للحكم على ( التزام وسائل الإعلام والنشر، وجميع وسائل التعبير، بالكلمة الطيبة، وبأنظمة الدولة، والإسهام في تثقيف الأمة و دعم وحدتها، وحظر ما يؤدي إلى الفتنة أو الانقسام، أو يمس بأمن الدولة وعلاقاتها العامة أو يسئ إلى كرامة الإنسان وحقوقه).
كما نصت المادة الثامنة من نظام المطبوعات والنشر على أن ” حرية التعبير عن الرأي مكفولة، بمختلف وسائل النشر، في نطاق الأحكام الشرعية والنظامية”. وتضمنت أهداف لائحة النشر الإلكتروني دعم ثقافة الحوار والتنوع، وتكريس ثقافة حقوق الإنسان، المتمثلة في حرية التعبير المكفولة للجميع، وفق أحكام النظام وكذلك نشر ثقافة الإعلام الجديد ووسائله في المجتمع، إضافة إلى حفظ حقوق الأشخاص في إنشاء وتسجيل أي شكل من أشكال النشر الإلكتروني”.
وفقكم الله وبارك في جهودكم، ولرابطة العالم الإسلامي الشكر على تنظيم هذا المؤتمر ممثلة في المجمع الفقهي الإسلامي، متطلعين أن يحقق الأهداف المرجوة منه.
ثوابت الإسلام
من جانبه قال الأمين العام للمجمع الفقهي الإسلامي الدكتور صالح بن زابن المرزوقي: إن الإسلام في ثوابته لا يتعارض مع منتجات العصـر، بل إنه يشجّع على تحصيل الرقي المادي، والتقدم الحضاري، والإسهام في بناء الإنسانية وعمارة الأرض.
وأضاف: إن هذه الدولة المباركة – بحمد الله – قد قامت منذ تأسيسها على خدمـة الإسلام والمسلمين، وتبنّي قضاياهم، وقد وقف ملوك هذه البلاد ضد التيارات الفكرية المنحرفة التي عصفت ببعض الدول العربية والإسلامية في وقت من الأوقات، كما حاربوا موجات الغلو والتطرف والإرهاب مشيرا إل انه في هذا العصـر برز ظهور بعض الشعـارات التي تقوم على الإعراض عن دين الله، وتشيع الانفلات من الدين والقيم والأخلاق، واستهداف فئات من المسلمين.
نموذج حضاري
وأشاد رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة الشيخ عبدالله بن الشيخ المحفوظ بن بيه في كلمته بالجهود العظيمة التي تبذلها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيزفي خدمة الإسلام ونصرة المسلمين، مثنيًا على النموذج الحضاري الذي تنتهجه المملكة منذ تأسيسها على يد المغفور له الملك عبدالعزيز رحمه الله معتمدة في حكمها على كتاب الله وسنة رسوله وقياس علماء الأمة وإجماعها.
مفهومان جوهريان
عقب ذلك قال سماحة رئيس الشؤون الدينية التركية الدكتورمحمد غورمز في كلمة نيابة عن المشاركين في المؤتمر: إن الأصول والفقه هما مفهومان جوهريان بالنسبة للعلوم الإسلامية كلها حيث ابتكر العلماء المسلمون فنًا لم يعهد تاريخ العلوم بمثله مضيفين كلمة “الأصول” إلى “الفقه” وضبطوا في بطون مؤلفاتهم القواعد التي يتوصل بها المجتهد إلى استنباط الأحكام العملية الشرعية في غاية الدقة والتمحيص مما أنتج تراثًا علميًا ذاخرًا بالعطاء وفَتَحَ لنا آفاقًا فكرية رحبة . وكان غرضُهم من ذلك تحديدَ منهاجٍ موحدٍ يراعون به في استنباط الأحكام من النصوص ويحتكمون إليه عند الاختلاف. ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نذكر هؤلاء الأجلاء بالفضل والاحترام على ما بذلوا من مساعيهم المشكورة ونهوضهم بما عليهم من مهام و أدائهم وراثة الأنبياء خير أداء.
وأفاد رئيس الشؤون الدينية التركية أن الحضارة الإسلامية هي حضارة كلام والكلام لباس للمعنى والمعنى نواة للفكر والفكر دعامة يبتني عليها صرح الحياة بكل جوانبها . إذًا يمكننا القول بأن فهم النصوص متوقف على فهم صحيح لألفاظها، ولهذا السبب بالذات تناول الأصوليون المباحث اللفظية بإسهاب وقتلوها بحثًا وكان كل همّهم تحديد إمكانيات الدلالات اللفظية . إلا أن الدلالات عملية تستهدف وصول المعنى إلى المخاطــب. وبمعنًى آخر، إن عدم وصول المعنى إلى المخاطب يعني عدمَ تحقق الدلالة. لأن الله عز وجل وضع الشريعة للإفهام
الحرية قيمة إنسانية
ثم ألقى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتورمحمد بن عبدالكريم العيسى كلمة قال فيها : إن من أهم ما برز في تطورات الحياة الاجتماعية والمدنية في الغرب، وكانت له أصداء قوية في عالمنا الإسلامي، لاحتدام الجدل حوله، موضوع الحرية الشخصية، وأهم ما يتجلّى في جوانبها حريةُ إبداء المعتقدات والأفكار المختلفة، والتعبير عن الرأي بشتى فنون التعبير، وفي مختلف الوسائل التي توصل الإنسان إلى المجتمع والرأي العام، كالتأليف والإعلام والفن.
وبيّن الدكتور العيسى أن هناك أصواتًا شاذة عن نهج الاعتدال، لا تفتأ تطالب بإطلاق العِنان للناس ليقولوا ما شاءت لهم أهواؤهم، ويدعوا لما شاءوا من الملل والنحل والمذاهب الفكرية، والمظاهر السلوكية مهما شذّت واستهجنت في الشرع أو الطبع مؤكدا أن الحرية قيمة من أهم القيم الإنسانية، وأن أشق ما يتعرّض له الإنسان في حياته، أن تصادر عليه حريته، وأن تصير تصرفاته وقراراته بيد غيره، أو تكون مرتهنةً للقيود والرقابة، فيجبر على أن يقول أو يفعل ما لا يريد، أو يمنع أن يقول أو يفعل ما يريد.
وتابع العيسي: غير أننا نجد لدى التأمل أن الحرية إذا أطلقت على عواهنها، حوّلت الإنسان إلى مصدر أخطار وفوضى تهدد المجتمع برمّته؛ فلن تجد في العالم مجتمعًا ينعم بالنظام والأمن، إلا وحريات الأفراد فيه منضبطة بقواعد تقتضيها المسؤولية الاجتماعية، والتوافق مع مقتضيات الأنظمة التي تحكم الدولة، وتنظم شؤون المجتمع على وجه يضمن العدالة ويحقق الأمن والاستقرار.
هداية البشرية
عقب ذلك ألقى سماحة مفتي عام المملكة رئيس المجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ كلمة قال فيها: إن الإسلام جاء لهداية البشرية، وإخراجهم من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الإيمان والهداية إلى الصراط المستقيم، وقد نزل الله كتابه الكريم فيه الهدى والبيان والنور والشفاء لما في الصدور، وقد تضمّن هذا الكتاب الكريم بيان جميع الأحكام المتعلقة بأمور العقيدة من الإيمان بالله وكتبه ورسله والإيمان بالغيب والإيمان بالآخرة وما فيها من البعث والنشور والجزاء ثم الحياة الأبدية إما في الجنة والنعيم للمؤمنين أو في النار والجحيم للكافرين .كما بيّن هذا الكتاب جميع الأحكام المتعلقة بالإنسان في هذه الحياة الدنيا، من تنظيم الأمور الشخصية للفرد، والشؤون المتعلقة بالجماعة، والأسرة المسلمة، والمعاملات، والقضاء، والعلاقات بين أفراد المجتمع المسلم بمختلف طبقاته .
وبيّن سماحته أنّ المحرمات والمعاصي التي يحرم ارتكابها وما يترتب على ذلك من عقاب في الدنيا أو عذاب في الآخرة حيث لم يترك الإسلام أمرا إلاّ وبيّن حكمه في نصوص صريحة واضحة في كتاب الله الكريم، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ببيان شافٍ، ليس للشك فيها مجال، ولا للزيغ عنها مساغ، ولا لأحد في مخالفتها عذر ولا حجة ولا برهان.