الاستثمار الأمثل
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
لا يخفى على أي متابع التوجه الأخير الذي نراه في المنطقة لتعزيز الاستثمارات العالمية، على اعتبار أن هذه وسيلة هامة لتحقيق التنمية الاقتصادية المرجوة.
التركيز على زيادة الاستثمارات الأجنبية، ورفع القيود عنها، يُبررُ بأنه يؤدي لزيادة التنافسية، ورفع كفاءة الاقتصاد في الدول النامية، ومن ضمن آثاره الإيجابية أنه يساهم في توظيف عمال محليين، يتعلمون مهارات جديدة، واستفادة المنتجين المحليين من احتكاكهم بالمستثمر الأجنبي، على المستويين الإداري والتقني، فيضيف إلى الدولة النامية قدرة إنتاجية على المدى البعيد.
هذه الآثار قد لا تحدث، بالذات حين تقيم الشركة الأجنبية منشأة معزولة، تستورد أدواتها من الخارج، ويقوم العمال المحليون فيها بالتجميع البسيط، ولا يتعلمون مهارات مهمة، وهو ما يحدث غالبا في العالم العربي، حيث الاتجاه نحو فتح باب الاستثمار الأجنبي في التصنيع الهامشي، المعتمد على تجميع مكونات مستوردة، لا يضيف قيمة اقتصادية كبيرة.
يقود هذا إلى الحديث عن دور الدولة في التعامل مع الاستثمار الأجنبي، إذ إن الدعوات التي نتحدث عنها تدفع نحو “ترك الحبل على الغارب” للمستثمر الأجنبي، فيما لا تكون فوائد الاستثمار الأجنبي عالية دون تنظيمٍ صارم لهذا الاستثمار، ويحمي المنتج المحلي من جهة، ويساهم من جهة أخرى عبر اشتراطات صارمة، في نقل الخبرات اللازمة لداخل البلد نفسه، بحيث يكون قادرا على إنتاج شيء مماثل ومنافس.
تجارب الدول الأخرى تأكد انه بوجود ضوابط لحماية الاستثمار المحلي وتعزيزه مقابل الاستثمار الأجنبي له دور مهم في تعزيز الاقتصاد، فاليابان على سبيل المثال طبقت ذلك بوضوح ورؤية واضحة مما سهل لتويوتا فرص نجاح كبيرة مقابل الشركات العالمية الأخرى، كذلك، رغم كل ما يقال عن كوريا الجنوبية وتايوان، بخصوص فتح الباب للاستثمار الأجنبي، إلا أنهما حددتا المناطق التي يمكن للشركات الأجنبية دخولها، ووضعتا سقفا لحصصها في الملكية، وأشرفتا على ما تشتريه هذه الشركات من تقنيات، كما يشير إلى ذلك الاقتصادي الكوري “ها جوون تشانج”.
كثير من الدول يوجد لديها ضوابط فيما يخص الاستثمار الأجنبي، على سبيل المثال الصين التي تضع اشتراطات صارمة على الشركات الأجنبية، من أهمها عدم الاحتفاظ بأسرار الصناعة التكنولوجية، ما جعل الصينيين يقومون بنقل الخبرة التكنولوجية من الشركات الغربية، فصارت شركة «هواوي» الصينية مثلا منافسا قويا في العالم للشركات الغربية في مجال التكنولوجيا والاتصالات.
الاستفادة من المسثمر الأجنبي هو أمر مهم، ولكن لا يجب إعطاء الموضوع أكبر من حجمه الطبيعي، أو أن نتوقع منه نتائج فوق المأمول، فالاستثمار الأجنبي هو أحد وليس جميع العناصر التي تساهم في دفع عجلة التنمية والاقتصاد.