إعلام , الرأي
مؤسسة اليمامة..تحولات يصاحبها ترشيد في مكافآت الكتَاب وتغيير نظام الإضاءة داخل المبنى والنشر بالإنجليزية والأردو والتغالو
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
كشفت خطط التحول وتخفيض النفقات الجديدة في مؤسسة اليمامة الصحفية والتي تصدر عنها صحيفة الرياض ومجلة اليمامة عن أولى ضحاياها، عندما اصطدمت قراراتها الأخيرة برفض الكاتب عبدالله الكعيد الاستمرار بالكتابة بعد 20 عاما قضاها كاتبا قديرا في صفحاتها، معللا ذلك بخفض قيمة المكافآت الذي طال جل الكتاب باستثناء الكاتب عبدالله بخيت والكاتب فهد الأحمدي، ولكن هذا الحدث مجرد نقطة في مسيرة التحول الحيوية التي بدأتها مؤسسة اليمامة خلال العام الماضي، وقادها مديرها العام خالد الفهد العريفي وفريق المؤسسة، جراء حالة الخسارة التي تعرضت لها العديد من الصحف الورقية وهي معاناة شكت منها صحف عريقة في معظم دول العالم بسبب تداعيات وسائل التواصل الإجتماعي التي أثرت بشكل مباشر وقوي على متابعي الصحافة الوقية ومن ثم أثرت تلقائيا على مداخيل الإعلانات.
ربما هي تغريدة بـ 39 حرفا لم تحتج إلى كل الـ 140 حرفا، لكنها كانت شاهدا على شرارة الثورة وبداية التغيير وبرنامج التحول في مؤسسة اليمامة الصحفية، فقبل ستة أشهر تقريبا وتحديدا في 5 يونيو 2016 وبعد أيام قليلة من دخوله عالم (تويتر) بدأ خالد الفهد العريفي المدير العام لمؤسسة اليمامة الصحفية التغريد بجملة قصيرة اختصر فيها أفكار وطموحات ومشاريع المؤسسة في العالم الجديد كتب فها: “اليمامة الصحفية ليست جريدة ومجلة فقط”، ليكشف من بعدها وعبر العديد من التغريدات عن كل جديد ينقل المؤسسة من عالم التحرير الصحفي المجرد إلى عالم الأعمال والاستثمار، ومن عمليات البحث عن موارد مالية جديدة كمشروع بناء برج وإطلاق جريدة إعلانية جديدة إلى قرارات تخفيض المصروفات بما في ذلك تغيير نظام الإضاءة داخل مبنى المؤسسة بهدف الترشيد.
بلا خيار ثاني دخلت مؤسسة اليمامة الصحفية عصرا جديدا من أجل إنعاش صناعتها وضمان مستقبلها وتطوير مواردها وتقديم خدمات ومنتجات جديدة تتناسب مع خبراتها وإمكاناتها الجيدة وآلاتها الكبيرة الفاخرة، وإيمانا من إدارتها بحتمية التغيير كتب العريفي بعد تلك التغريدة الشرارة: “تبقى الصحافة صناعة وعليك أن تكون مواكباً لمتطلبات العصر”، ومشيرا في الوقت نفسه إلى متطلبات المرحلة: “نحن في اليمامة الصحفية نملك المقومات للريادة في (صناعة المحتوى)، لدينا قسم إعلام الكتروني متطور، والكنز (مركز المعلومات)”، ومضيفا بعد أيام قليلة: “اليمامة الصحفية تملك مقومات التحول إلى صحافة، إعلام، إعلام إلكتروني، تدريب، مراكز معلومات، إدارة علاقات عامة، تصوير، و ستفعل”، وبعد مؤشرات التغيير هذه انطلقت عاصفة التغيير لتطال كل شيء وفي كل مكان.
يقول العريفي أن: “تغيير وضعية الشراع، وليس إتجاه الريح، هو الذي يحدد أي طريق ستسير إليه”، ولذلك راجعت المؤسسة أشرعتها لترقع الخروق تارة ولتغير وضعها تارة أخرى لتصمد أمام ريح لا تبقي ولا تذر في عصر المعلومات الجديد، حيث بدأت من الأطراف البعيدة، حين أغلقت أحد مكاتبها الكبيرة خارج المملكة الذي تتجاوز قيمة إيجاره فقط نصف مليون ريال، وأغلقت عدد من مكاتبها المستأجرة حول المملكة، التي كانت تكبدها فواتير الإيجار والكهرباء والماء، بلا مردود مجزي، ولا تضم حتى صحفيين متفرغين، حيث سهلت التقنية اليوم التواصل السريع مع المراسلين المتعاونين والمعلنين، ويتزامن هذا مع إطلاق المؤسسة لحزمة من منتجاتها وخدماتها التي يمكن تنفيذها الكترونياً، حتى وصل التغيير إلى المركز في مقرها بالرياض، إلى ممراتها وحجراتها حين بدأت باستخدام تقنية (LED) في الإنارة، “توفيراً للطاقة” كما يذكر العريفي الذي يفكر بعقلية إدارية تحاول تغيير كل شيء مع المحافظة على كل شيء، إنشاء الخدمات الجديدة وتقليص المصروفات القائمة مع المحافظة على فريق المؤسسة من صحفيين وكتاب ومتعاونين، قد يكون إغلاق بعض المكاتب وتقليص المكافآت أزعج بعضهم، ولكنه التحول المصيري الذي لا يرضي الجميع.
ثورة التغيير والتحول طالت أيضا حجم جريدة الرياض فتغيرت شيئا بسيطا إلى مقاس أصغر، لتوفر من هذا الإجراء البسيط مبالغ طائلة سنويا ، وليصبح الحجم الجديد أكثر جاذبية وأسهل للتصفح من القديم، ومع بداية السنة الجديدة 2017 ظهرت الرياض بمحتوى وإخراج جديدين، إطلالة صحفية متجددة، وصفحات جديدة متخصصة، واستقطبت نخبة من الكتاب والمثقفين السعوديين والعرب، وقلصت من مساحة وكلمات المقالات التي كانت تأخذ نصف صفحة أحيانا، وزادت من مساحات الصور، وصارت المقالات أكثر قابلية وجاذبية للقراءة بسبب صغرها واختصارها.
وفي الوقت الذي كنا نعتقد فيه بأن أي نقطة هي النهاية، غيرت مؤسسة اليمامة هذه القناعة حين أصدرت العدد الاول من النشرة الإعلانية الأسبوعية دوت (Dot.) باللغات الإنجليزية والأردو والتغالو، بعد دراسة متأنية للواقع الميداني حيث وجدت بوصلتها الاستثمارية أن السوق السعودي يفتقر إلى مادة إعلانية تحاكي اللغات الأجنبية في الدعاية والإعلانات المبوبة، الأفكار كثيرة والسوق كبير والموارد متوفرة لمن يريدون الاستمرار في الحياة وضمان المستقبل مثل مؤسسة اليمامة.
يفكر العريفي أن “المؤسسات الصحفية هي كيانات تقوم على موازنة مالية ناجحة، ومن يُغفل جانب الاستثمار المتعدد و زيادة المداخيل فهو خارج اللعبة”، وكل تغريدة منه هي بمثابة خطوة جديدة للمؤسسة، حيث تعكف حاليا على إنشاء “وكالة اليمامة جرافيك”، لخدمة القطاعين الحكومي والخاص في تصميم وإنتاج الحملات الترويجية. إضافة إلى أفكار تجارية أخرى، لأن “المؤسسات الصحفية ذات التفكير المتعدد في خلق مصادر الدخل ستقف صامدة أمام كل المتغيرات” كما يضيف العريفي، وخلال أغسطس الماضي طرحت المؤسسة إعلانا تدعو فيه الشركات المحلية والعالمية للمشاركة في تنفيذ برج اليمامة في أرض مملوكة لها بالكامل، وبمثل هذه الأفكار التي تتحول سريعا إلى مشاريع تبقى الصحافة سلطة رابعة تمثل نبض المجتمع وتنأى بنفسها عن أي أزمات اقتصادية.
“اليمامة الصحفية لا تعاكس الرياح فهي تُدرك قوتها، نحن نستفيد منها في دفع مركبنا إلى الأمام”، بهذه الجمل والعبارات يؤكد العريفي بين يوم وآخر على استمرار نهج التطوير والتغيير، ويفكر بالجديد والقديم معا، لأن التطوير يستند على إرث صحفي قادر على إحياء القديم الموؤود، حيث أعلنت المؤسسة عن عودة الرياض ديلي من جديد وبشكل إلكتروني لتكون “ذراعا للوطن، وصوتا للوطن أمام العالم” باللغة الإنجليزية، ويعلن العريفي وبفخر اطلاق اسم “رجل عظيم” طلعت وفا على مكاتب وقاعة الرياض ديلي، وفاء من المؤسسة لأحد رجالها المخلصين الراحلين.
ولأن المجتمعات دولا ومؤسسات عادة ما ترفض التغيير، فإن أي محاولة للتغيير مهما كان نوعها ومستواها تصطدم بمقاومة، تزداد شراسة كلما طال التغيير حياة الفرد مباشرة، وفي جريدة الرياض تم استقطاب كتابا جدد، وبنفس الوقت تم تقليص مكافآت الكتاب السابقين، وهو الأمر الذي دعا الكاتب عبدالله الكعيد أن يعلن توقفه عن الكتابة في الجريدة وخروجه منها بعد 20 عاما قضاها بين صفحاتها، وسبب ذلك كما أوضح الكعيد هو تقليص مكافآت الكتاب، واستثناء كاتبين فقط هما عبدالله بن بخيت صاحب السخرية السوداء والطرح المنطقي العميق وفهد الأحمدي الكاتب الموسوعي والمشوق، والحق يقال أن هذين الكاتبين يحملان الجريدة بعموديهما الصحفيين، وعلاوة على ذلك فالأحمدي كاتبا متفرغا كموظف للجريدة وليس مجرد كاتب متعاون.
ولأن التحول والتغيير يحملان أحلاما كثيرة بعضها مرتبة وأخرى مبعثرة، لدى المؤسسة حلم ليس مستحيلا في ظل قيادة إدارية تفكر وتصنع مثل العريفي وفريقه الإداري والصحفي في المؤسسة: كتب في حسابه: “في اليمامة الصحفية نحلم بإطلاق قناة تلفزيونية إخبارية، نملك المبدع والخبرة والمكان .. ونحن أحلامنا سرعان ما تتحقق”.
وفي نقاش تويتري صغير حول صناعة ومستقبل المحتوى الصحفي، أشاد محمد التونسي رئيس صحيفة الرؤية الإماراتية بالعمل والأفكار التي تطرحها مؤسسة اليمامة، وكتب في حسابه في تويتر: “إيجابي، أن يربط مدير عام مؤسسة صحفية كبرى (العريفي) رؤيته بالمستقبل في الصناعة وتحدياتها”.
فعلا أصبحت “اليمامة الصحفية ليست جريدة ومجلة فقط”، بل تفكر وتعمل كمؤسسة إعلامية اقتصادية تقدم منتجات وخدمات إعلامية متعددة: (جريدة الرياض، مجلة اليمامة، القسم التجاري للطباعة، مركز الملعومات، الجريدة الإعلانية • Dot، وكالة اليمامة جرافيك، مواقع إلكترونية متطورة)، والآن ربما تعمل عل تحقيق حلمها وإطلاق قناة تلفزيونية.
ما نعرفه حق المعرفة هو أن كل حقيقة بداياتها حلم .. وما عرفناه اليوم من طموحات وتحول مؤسسة اليمامة هو أن النقطة بداية وليس مجرد نهاية.