تسريبات “الجزيرة” تزلزل الحكومة البريطانية وتدفع إسرائيل إلى الاعتذار (فيديو)
استقالت مساعدة وزير الخارجية في بريطانيا، الأحد 8 يناير 2017 ، وذلك بعد ظهور مقطع فيديو أحدث زلزالاً داخل الحكومة البريطانية، حيث استطاعت شبكة “الجزيرة” التسجيل لمسؤولٍ بالسفارة الإسرائيلية وهو يتحدث بشكل غير علني عن التآمر لإسقاط نواب البرلمان البريطاني الذين يُعتبرون معادين لإسرائيل، من بينهم نائب وزير الخارجية آلان دنكان، الذي يعد داعماً صريحاً للدولة الفلسطينية. وفي خرقٍ استثنائي للأعراف الدبلوماسية، سجَّلَ مراسلٌ متخفٍّ من وحدة التحقيقات بقناة الجزيرة تسجيلاً مصوراً لشاي ماسوت، الذي يصف نفسه بأنه ضابطٌ بالجيش الإسرائيلي ويعمل كمسؤولٍ سياسيٍ رفيع المستوى بسفارة لندن، متحدثاً عن عددٍ من نواب البرلمان البريطاني.
السفير يعتذر
ووفقا لما ترجم موقع “هافنجتون عربي” عن صحيفة “الجارديان” فقد قدم السفير الإسرائيلي مارك ريجيف اعتذاره لوزير الخارجية دنكان. وقال متحدث رسمي إسرائيلي إن ريجيف أوضح أن “السفارة تعتبر هذه التعليقات غير مقبولة”. وقالت السفارة الإسرائيلية إن “ماسوت سينهي مدة عمله بالسفارة قريباً”. بينما رفض ماسوت التعليق أو توضيح ما كان يقصده عندما قال إنه يريد “إسقاط” عددٍ من نواب البرلمان البريطاني.
كان ماسوت يتحدث إلى الموظفة الحكومية والمساعِدة السابقة لأحد الوزراء من حزب المحافظين، ماريا ستيتسولو. وكان من بين الحاضرين رجلٌ عرَّفوه باسم روبن، وظنّوا أنه يعمل مع مجموعة “أصدقاء إسرائيل في حزب العمال”، وهي جماعة ضغط تدعم توطيد العلاقات الثنائية بين بريطانيا وإسرائيل. لكن في الواقع، كان روبن مراسلاً متخفياً. وفي نقاشها مع ماسوت حول كيفية تشويه سمعة نواب البرلمان، قالت ماريا: “حسناً، تعرف أنك إذا أمعنت النظر، أنا واثقةٌ من أنك ستجد أمراً ما يحرصون على إخفائه. ربما فضيحة صغيرة”.
وخلال المحادثة التي جرت في أكتوبر الماضي، تباهت ماريا بأنها ساعدت رئيسها، النائب عن حزب المحافظين في البرلمان روبرت هالفون، في الحصول على ترقيةٍ وظيفية. كانت ماريا تعمل رئيسة موظفي هالفون حين كان يشغل منصب نائب رئيس حزب المحافظين. وفي العام الماضي، عُين هالفون وزيراً للتعليم، وعُينت ماريا مديرة رفيعة المستوى لوكالة تمويل المهارات. واستمرت في العمل بدوامٍ جزئي لدى هالفون. وفي لقطات الفيديو المسجلة سراً، أقر ماسوت بأن ماريا قد ساعدت هالفون على الترقي وظيفياً، وسألها ما إذا كانت تستطيع إحداث أثر مغاير أو عكسي، قائلاً: “هل يمكنني إعطاؤك بعض أسماء نواب البرلمان الذين أقترح أن تتخلصي منهم”.
وتابع حديثه ليقول إنها تعرف أياً من النواب يقصد.طلبت منه ماريا أن يذكِّرها بأسمائهم. فرد عليها: “نائب وزير الخارجية”. فسألته ماريا: “أما زلت تريد القيام بهذا؟”، فجاء رد ماسوت عليها غامضاً، لكنه قال إن دانكان ما زال يسبب لهم مشاكل. فسألته ماريا: “كنت أعتقد أنّنا، كما تعلم، نجحنا في تحييده بعض الشيء، أليس كذلك؟ فأجابها ماسوت: “لا”.
لم يوضح ماسوت ما كان يقصده بكلمة “إسقاطهم”، لكن الكلمة تُستَخدَم عادةً لوصف التدبير للتخلص من الأشخاص، ربما عن طريق تشويه سمعتهم بطريقة ما. تحوَّلت المحادثة بعد ذلك نحو وزير الخارجية بوريس جونسون، الذي قالت ماريا عنه إنه صارمٌ في التعامل مع إسرائيل. وافقها ماسوت الرأي ، ليضيف أن جونسون لا يعبأ بمصالح إسرائيل، ثم قال: “تعرفين أنه أحمق..”.
عادت ماريا للحديث عن دنكان لاحقاً، مشيرةً إلى حدوث مشاجرة بينه وبين هالفون في الماضي، وأن الأخير أبلغ عنه لدى مسؤولي الانضباط داخل الحزب. وأضافت: “لا يمكن الجزم بما قد يحدث في المستقبل”. فأجابها ماسوت: “نعم، لا يمكننا ولكن..”، لترد عليه ماريا: “ربما فضيحة صغيرة”. ووردت خلال المحادثة أسماءٌ بارزةٌ أخرى من حزب المحافظين، ومنها رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس العموم البريطاني كريسبن بلانت، الذي يُعد أيضاً داعماً صريحاً للفلسطينيين.
“نواب يعتمد عليهم”
وتظهر في التسجيل ماريا وهي توضح أن لديها استراتيجية لضمان إبقاء إسرائيل على رأس أولويات السياسة الخارجية البريطانية، قائلةً: “إذا كان لديك على الأقل مجموعة صغيرة من النواب الذين يمكنك أن تعتمد عليهم، حين يُطرح أمرٌ على البرلمان، يمكنك حينها أن تقول لهم إن ما من شيءٍ عليهم فعله، سنمدّكم بما عليكم قوله وبكل المعلومات، نحن من سنفعل كل شيء”.
وكانت ماريا قد أقنعت النائب هالفون، في عام 2014، باستجواب رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، ديفيد كاميرون، حول 3 مراهقين إسرائيليين يُعتقد أنهم قد اختُطفوا وقُتلوا، وذلك من أجل الحصول على رد فعلٍ من الحكومة. وبالفعل قدَّمَ هالفون الاستجواب، طالبًا من رئيس الوزراء دعم الحكومة الإسرائيلية. وفي المقابل، وَعَدَ كاميرون بأن بريطانيا “ستقف إلى جانب إسرائيل”.
علّق بلانت على تسريب محادثة المسؤول الإسرائيلي قائلاً: “بينما يعد النشاط الواضح لدبلوماسي دولة أجنبية وتدخله في الشؤون السياسية للمملكة المتحدة أمراً شائناً ويستدعي فتح تحقيقٍ بشأنه، فإن الأسئلة الحقيقية ينبغي توجيهها لدولة إسرائيل نفسها. لن يخدم مستقبل سلام وأمن إسرائيل تجاهلها لجماعات الضغط الهامة، التي تعمل من أجل تحقيق السلام، سواء تلك الموجودة في إسرائيل أو في المجتمع اليهودي الأوسع على مستوى العالم، ومحاولتها تقويض هؤلاء السياسيين الأجانب الذين يشاركون جماعات الضغط هذه الرؤية”.
وفي محادثةٍ أخرى، وافق ماسوت على أن بلانت من بين نواب مجلس العموم الذين يعدون “داعمين للعرب بقوة بدلاً من دعم إسرائيل”. وأشارت ماريا إلى أن بلانت موجودٌ ضمن “قائمة أسماء السياسيين المستهدفين”. ويُعتقد أن الوزراء البريطانيين يعتبرون أحاديث المؤامرات هذه مسألة تدعو للقلق البالغ، إذ تتجاوز حدود النشاط الدبلوماسي العادي، بينما امتنع دنكان عن التعليق. ورغم تأكيد السفارة الإسرائيلية أن ماسوت مجرد موظف ثانوي بالسفارة ولا يُعد دبلوماسياً، فإن بطاقة التعريف الوظيفية الخاصة به تصفه بأنه “مسؤول سياسي رفيع المستوى”، وتقول صفحة سيرته الوظيفية على موقع “لينكد إن” إنه يعمل في السفارة الإسرائيلية منذ نوفمبر/تشرين الثاني عام 2014.
ويصف ماسوت عمله بأنه رئيس وحدة الاتصال الرئيسية بين السفارة ونواب مجلس العموم، وأنه ينسّق العلاقات بين السفارة والوزراء والمسؤولين بوزارة الخارجية.وعلاوة على ذلك، يصف ماسوت نفسه بأنه رائدٌ بالجيش الإسرائيلي في الفترة من 2004 حتى 2011، وكان يخدم خلال جزء من هذه الفترة في سفينة دورية على سواحل غزة، وما زال يخدم لدى الجيش الإسرائيلي كنائب رئيس قطاع المنظمات الدولية.
يأتي ذلك في لحظةٍ حسَّاسةٍ، بعد أسبوعٍ واحدٍ فقط من معارضة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي لإدارة أوباما، من خلال تعبيرها عن دعمها القوي لإسرائيل، في خلافٍ بشأن توسيع المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية.
وكانت عمليات المراسلة الخفية، التي بدأت في يونيو وامتدت إلى نوفمبر من العام الماضي، قد سجَّلَت محادثاتٍ في عددٍ من المناسبات شملت مجموعةً واسعةً من النشطاء المؤيدين لإسرائيل، إضافةً إلى سياسيين بريطانيين وموظفين بالسفارة الإسرائيلية. وكانت هذه التسجيلات قد جُمِعَت في 4 تسجيلاتٍ، يستغرق كلٌّ منها نصف ساعة، وتبثها قناة “الجزيرة”، الأحد المقبل 15 يناير/كانون الثاني الجاري، الساعة 10:30 مساءً بتوقيت غرينيتش.
وتسعى ماريا للتهوين من شأن ما جرى في محادثتها مع ماسوت. وحين وجّهت إليها صحيفة الغارديان سلسلةً من الأسئلة، صرَّحت بأن “الآثار التي تسعى الغارديان إلى استخلاصها من مقتطفاتٍ خارج السياق لمحادثة، سُجِّلَت بالحيلة والخداع، في عشاءٍ اجتماعي، لا يمكن وصفها إلا بالسخيفة”.
وأضافت: “كان سياق المحادثة مجرد ثرثرة خفيفة وغير جادة. وأي إيحاءٍ بأنني، كموظفةٍ حكوميةٍ في التعليم، يمكنني أن أمارس هذا النوع من التأثير، لهو إيحاء يثير الضحك. ماسوت شخصٌ أعرفه بشكلٍ اجتماعيٍ بحت، وهو أيضًا صديقٌ لي، ولم أعمل معه من قبل قط. أما على المستوى الاجتماعي، فليس لماسوت أي تعاملاتٍ سياسيةٍ أبعد من التحدث في السياسة، كملايين من الناس الآخرين”. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية: “اعتذر السفير الإسرائيلي، ومن الواضح أن هذه التعليقات لا تعكس رؤى سفارة أو حكومة إسرائيل. المملكة المتحدة لديها علاقة قوية بإسرائيل، ونحن نعتبر الأمر منتهياً”.