دولة تحتاج إلى إشراف دولي

مع إعادة التأكيد على ضرورة انتظار النتائج التي تتوصل إليها اللجنة المكلفة بالتحقيق في حادثة منى وعدم التسرع في إطلاق الأحكام بناء على ما يتم نشره وتداوله من مصادر ليست رسمية، إلا أن الأخبار والتداعيات التي تابعناها يوم أمس تجبرنا على الوقوف عندها ومحاولة استنتاج ما تتضمنه وتشير إليه. فعندما تنشر صحيفة كالشرق الأوسط خبرا رئيسيا على صفحتها الأولى يفيد بأن مسؤولا في البعثة الإيرانية يؤكد أن الارتداد العكسي لـ 300 حاج إيراني كان وراء حادثة التدافع فإنه خبر مهم لن يتم نشره دون أن يكون له موثوقية، كما أنه يضيف قدرا من التأكيد للتوقعات والاستنتاجات التي راجت عن احتمال ضلوع إيران بشكل أو بآخر في الحادثة، وإذا ما ربطنا الخبر بطبيعة رد الفعل الإيراني المتسرع أو الفوري تجاه الحادثة فإنه يمكن استحضار المثل القائل يكاد المريب أن يقول خذوني.

وكما قلنا في مقال الأمس إننا في غنى عن الاهتمام بالرد على كل الأقوال المتهافتة التي تنز بصديد الحقد على وطننا إلا أن ما صرح به (مسؤولون) إيرانيون لبعض وسائل الإعلام فيه الكثير من الاستفزاز والوقاحة، ولأنهم مصادر رسمية فإنهم يعبرون عن الرأي الرسمي للدولة، وعند ربط كل التفاصيل ببعضها يتضح أن الذين اتهموا إيران مبكرا قد لا يكونون مخطئين ولا متجاوزين لأنها سارعت إلى فضح نفسها بشكل سافر يفتقد إلى الدبلوماسية والحصافة، وفضحت نفسها أمام العالم بصورة كريهة.

عندما تطالب إيران باشتراكها في لجنة التحقيق عن الحادثة فإنها تجاوزت أهم الأعراف والثوابت والضوابط في علاقات الدول واحترام سيادتها. إنه منطق عصابات وتفكير بلطجية وليس منطق دولة. وعندما تطالب بإشراف إسلامي دولي على الحج فإنها تصل إلى حضيض التفاهة وتثبت للمرة المليون أنها مصابة بحالة انفصام مستعصية وشديدة السوء لأنه لم تجرؤ دولة على مثل هذا القول، ولأنها ليست دولة حقيقية كما يقتضي تعريف الدولة فقد استطاعت أن تقول ذلك، رغم أنها تعرف جيدا إجماع العالم الإسلامي على التقدير الكبير لكل ما تحيط به المملكة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة وحجاج بيت الله الحرام من عناية فائقة منذ قيام الدولة إلى الآن، وتعرف جيدا أنه بالإضافة إلى اعتبار المملكة هذا الواجب شرفا عظيما لها فإنه حق سيادي خالص لا يحق لأي دولة في العالم المساس به.

المملكة لا تصرف أموالها على العصابات والميليشيات والمرتزقة الذين يعيثون فسادا في أوطان الآخرين، بل تتصرف بمنطق الدولة المسؤولة عن وطن تريد له أن يكون مستقرا ومتقدما وآمنا ومحترما بين أوطان العالم، وهي تعرف مسؤولياتها جيدا وتعرف كيف تقوم بها على أكمل وجه تجاه شعبها وأمتها العربية والإسلامية، وآخر من يمكنه تعريفها بمسؤولياتها هي دولة الفتنة والانهيار الأخلاقي والبدائية السياسية التي يتطلب المنطق المطالبة بإشراف دولي عليها، وليس على الحرمين الشريفين.

حمود أبوطالب
نقلا عن “عكاظ”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *