نفسية مرتادي الأسواق

تؤكد وزارة الداخلية تباعا أن خدمة البلاغات ذات العلاقة بنظام الجرائم المعلوماتية متوفرة ضمن الخدمات الإلكترونية التي يقدمها الأمن العام على بوابة وزارة الداخلية، وهي خدمة معمول بها منذ زمن، وهي خدمة ليست مستحدثة.

ومواقع التواصل الاجتماعي غدت كأسواق المدن، إذ تجد فيها الساقط والثمين وما بينهما، وتجد الباحث عن المحبة وتجد زارعا للكراهية، وتجد المحرض وكذلك الباحث عن تسامح الأضداد، وتجد الشتام ومن يقول للناس حسنى، وتجد تسيب المرضى النفسانيين، ومع هذا التناقض عليك التعامل بنفسية مرتادي الأسواق والتي تنص على: أخذ ما يعجبك والعزوف عما لا يعجبك.

وإذا أردنا التركيز على ما يحدث من اختراق للياقة الأدبية يجب النظر إلى هذه الصفة ـ وأصحابها ـ من زوايا عديدة قبل البحث عن الجهة الرادعة لتفلت تلك الألسن، فإن كان قرار الردع متوفرا مع كل ما حدث من سلوكيات أخلاقية فهذا يعني أن من قام بتلك الاختراقات لا يعنيه الردع حيث يرى أن ما يقوله ليس به مساس ولا يستوجب العقوبة .. أي ان السلوك العام هو المعتل ويرى أن علته هي دليل صحة.

ومواقع التواصل الاجتماعي هي جامعة لكل شرائح المجتمع، وهي شرائح لا يمكن تصنيفها تصنيفا علميا بسبب غياب المعلومة الواضحة عن المشاركين في تلك المواقع وبالتالي يمكن القول إن ما يحدث بها من قول وتعد أخلاقي هو تمثيل حقيقي لثقافة المجتمع بأطيافه.

وهي ثقافة متباينة تظهر عدة سمات أساسية قد يكون في مقدمتها الضيق والتبرم والإقصاء وهي صفات طاردة باحثة عن الفرقة أي يمكن القول: إن المجتمع يتشظى من غير أن يسعى إلى بناء لحمته بالمختلفين وهي صفة غير قابلة للترويض من خلال سن عقوبة، فالعقوبة يمكن لها ان تحجب الألفاظ المسيئة لكن لا يمكن لها أن تعالج ضيق الصدر بالآخر.

أي إن صدور العقوبة إن كانت باحثة عن خلق لحمة وطنية فلن يجدي تطبيقها وإن كانت باحثة عن تهذيب السلوك فهي بحاجة إلى تعزيز ثقافة الحوار وهو الأمر الذي لازال المجتمع ينقض ويناقض أسسه.

ومشكلة القذف أو التعدي بالألفاظ الجارحة مشكلة ثقافة في المقام الأول لم تعزز فكرة الاختلاف، وهي مشكلة ناتجة عن مكنة ضخمة تنتج ثقافة الكراهية وكان من الأولى تعطيل تلك المكنة قبل البحث عن العقوبة.

فلو أدركنا أن أفراد المجتمع المشاركين في هذه المواقع هم على هذه الشاكلة فهل تنفع العقوبة كتطهير أو كتقويم للمجتمع أم أنها عقوبة للحجب، وهناك فرق كبير بين التطهير والحجب.

عبده خال

نقلا عن “عكاظ”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *