كنت في قرية شيعية

قبل 15 عاما، عينت في قرية ذات أغلبية شيعية، أذكر يومها أني طلبت تغيير مكان العمل، ولو إلى موقع أبعد. لم أكن أملك إجابة مقنعة عندما سألني المسؤول عن السبب، لكنه قال لي: “باشر عملك هنا وجرّب، إذا ما أعجبك الوضع بعد شهر تعال ويصير خير”!

بعد بضعة أشهر زارني ذات المسؤول في مكان عملي، وجلسنا معا في مكتبي على انفراد، فسألني هل ما زلت عند طلبي في البحث عن مكان آخر؟! ذكرته بأنه وعد بنقلي إلى مكان آخر إن لم يرق لي هذا المكان، لكني اليوم أطلب عدم نقلي داخليا إلى مكان آخر، ولو كان أقرب من هذا، حتى تنتهي فترة عملي هنا بالكلية.. لقد تطورت زمالة العمل إلى صداقة خارجه!

في العام التالي انتقل إلينا زميل شيعي، وأخبرني أنه قادم من مسقط رأسي، لم يكن يتوقف عن سرد ذكرياته هناك، ولا أذكر يوما أنه حكى لي سماعه خلال فترة عمله هناك حديثا طائفيا ضده، أو تمييزا في المعاملة رغم أنه الموظف الشيعي الوحيد بينهم.

مر شريط تلك الذكريات سريعا وأنا أتابع تداعيات جريمة تفجير مسجد بقرية القديح، وكيف نجح العقلاء من الطرفين في وأد الفتنة الطائفية باكرا، وأفشلوا محاولات المحرضين استغلال الحادثة في نحر التعايش بين أبناء الوطن الواحد.

واهم من يظن أن مرتكب جريمة القديح كان يستهدف أصحاب مذهب بعينه بقدر ما كان يريد ضرب اللحمة الوطنية، ألم يفجّر من قبل شركاؤه في الفكر الضال أنفسهم في مركز سويف الحدودي ليستشهد ثلاثة من رجال الأمن؟!

الحقيقة أن كلا الجانبين ضحايا للتطرف والإرهاب، رغم هذا لا يزال البعض -من كلا الطرفين- يستغل مثل هذه الحوادث في بث سموم الفرقة وشحن النفوس وإيهام فئة بعينها بأنها مستهدفة دون غيرها!

نحن نعيش خطرين، أولهما الفكر الداعشي التكفيري المتطرف، والآخر هو الفكر التحريضي الذي يبث الكراهية بين أفراد المجتمع، وكما جرّمنا الفكر الأول بات من الضروري تجريم الآخر الذي لا يقل عنه خطورة.

هايل الشمري

نقلا عن “الوطن”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *