هواجس شباب نجران
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
كنا نتكئ على ظهر جبل يستقر جانبه الآخر في اليمن والليل يوشك أن ينتصف، كان الحديث صاخباً مع نخبة من شباب نجران لا يقطعه سوى أزيز طائرة تعبر من فوقنا. لم يكن الحديث عن الجانب الآخر من الجبل أو الحرب وتداعياتها، بل كيف يجب أن تكون نجران المستقبل؟ وماذا ينقصها لتصبح أكثر اكتمالاً وحيوية؟
الشباب كانوا مزيجاً فريداً من أصحاب الأعمال والمثقفين والصحافيين والموظفين، يفتحون سجالات رشيقة الحركة كثيرة التنوع، ما يرسخ الطبيعة المتناغمة لهذه المنطقة، وحيويتها الثقافية القائمة على قابلية الاختلاف واحترامه، والقادرة على احتواء الجميع بروح تسامحية عالية تحوي كل الشرائح المختلفة المتدفقة إلى نجران عملاً وطلب رزق، والمستقرة فيها حباً واستئناساً بأخلاق أهلها وضيافتهم الغامرة.
جامعة نجران الفتية والجميلة ضخّت إلى السوق دفعتها الأولى من الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة، وقبل ذلك نحو ثلاث دفعات من خريجي التمريض في فعل يتجاوز عمرها القصير، يريدها هؤلاء الشباب أن تنشط في المجال الاجتماعي، وأن تكون أكثر اقتراباً منهم وصلة بهم، يريدونها مركزاً ثقافياً مفتوحاً يبرز الطاقات الثقافية الفياضة للشباب حتى تنال حنجرة الإبداع ما تستحقه من مدى مكان وفضاء زمن.
أين الخوف؟ لا يعرفونه حتى كأن مساكن بعضهم التي لا تبعد سوى كيلومتر واحد عن الحدود تبدو لفرط الثقة والتفاؤل نائية عن الأحداث مسافة الشرق عن الغرب، لولا جولات الطائرات المتأخرة التي تستحيل متعة في رصد نوعها ووجهتها، واستعراض المهارات الفريدة في كشف نوعها وحمولتها، يبرز فيها الشاعر والكاتب صالح زمانان رافعاً الغطاء عن معرفة دقيقة منبثقة من تاريخ عائلي عسكري، بينما يبرع الكاتب مانع اليامي في تحليل الشخصية ورصد التغيرات الثقافية.
النسيج الجوهري لنجران هو هذه النوعيات من الشباب المتضمنة للأسئلة، الحاملة للتطلعات والرؤى في بسط المشكلات والحلول، ولعل أمير المنطقة جلوي بن عبدالعزيز، بفهمه وانفتاحه ودأبه وحماسته لإحداث الفرق، أن يتخذ منهم شركاء حوار في ورش عمل غير رسمية، تكون فيضاً من الأفكار والتصورات المختلفة استفادة من حيوية الشباب، خصوصاً أنه محاور شغوف بالأسئلة وعاشق للأفكار الذكية ومتفاعل معها.
المتجول في نجران لا يجد سوى الترحيب والابتسامة والحياة النشطة في جميع مجالاتها، ويكتشف تنوعاً في جغرافيتها يصل الصحراء بالجبل لا يقل عن ثرائها الإنساني، فكلما أمضى أياماً تشرّب تماساً قوياً بأهلها وتفاصيلها، يجعل حنين العودة إليها رغبة لا تغيب.
عدنا من نجران بروح غير التي حملتنا إليها، وبإعجاب منشأه شجاعة أهلها وصلابتهم ويقينهم، بينما بقي الزميل محمد الشهري، أبرز صانعي الصحافة الإلكترونية المهنية، مسكوناً بهاجسه الصحافي لمزيد من الجولات تصل إلى أقصى نقطة حدودية والوقوف فيها.
جاسر الجاسر
نقلا عن “الحياة”