الحرب القادمة.. إرهابيون.. ضد إرهابيين!!

الهمّ العربي الذي حيّر الغرب قبل الشرق جاء من طبيعة إنسان هذه المنطقة، خليط من رواسخ التقاليد والضغوط الأبوية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، والتخلص منها يحتاج سلوكاً جديداً يحدد كيف تُبنى المدرسة والجامعة، والخطوط الفكرية التي تنفتح على الثقافات العالمية في بناء شخصية سوية لا تتقاذفها المؤثرات أياً كان نوعها وانتماؤها..

تعامل الأفراد والمجتمعات والدول، لا يزال ينظر إلى الأمور من باب المنتصر، والمهزوم، الكاسب والخاسر، فكلّ بلد عربي تتصارع فيه قوى بأفكار متباعدة، وأهداف متغايرة، فصار تعريف الجماعة سواء أكانت حزباً أم قبيلة، أم مذهباً وطائفة، هو الأساس في المكون الذاتي لرسم خط كل إنسان ودوره في الحياة الخاصة والعامة..

هذه الصورة تعيدنا إلى الإنسان العربي المنقسم دائماً ومنذ أزمنة تاريخية قديمة على نفسه، وتعليل ذلك يحتاج إلى دراسات لطبيعة النشأة الأولى للإنسان والأسرة ثم المجتمع، وهو عمل موسوعي كان المفترض أن تقوم به جهات محايدة عربية في تحليله ودراسته من أفق أوسع من حبوس التقاليد ومواريثها وتراثها..

حالياً ولدت لدينا تيارات تزعم أنها التفسير الحقيقي للإسلام، وترى نفسها الوصية على الناس تكفّر من تشاء، وتدخل في جنتها المزعومة من تشاء، لكن بناءً على تراكم تجارب التاريخ العربي القديم والحديث والتي شهدت تيارات مشابهة أدت إلى انقسامات وحروب تذكرنا كيف تقاتل الشيوعيون والقوميون والبعثيون وغيرهم على المناصب والامتيازات رغم رفع شعارات النقاء الذاتي والالتزام الأيدلوجي، حتى إن البعض تحول إلى تيارات معاكسة إما دينية أو ما كانوا يطلقون عليها برجوازية وإمبريالية..

حال الجماعات الإسلامية لا تختلف عنها إذا نظرنا إلى نفس الإنسان ومكوّنه الاجتماعي وبيئته وثقافته، وبالتالي فالتحولات المتتالية وعاؤها نفس الأشخاص، والتنبؤات التي أفرزتها الظواهر الراهنة تضعنا أمام احتمال حروب جديدة بين الفصائل التي نراها متحدة لكن في داخلها تجري حسابات أخرى في التنافس على المناصب والمكاسب، وفي عمقها التفسيرات المتضادة لمنهج عقائدها وأفكارها،، وهي طبيعة راسخة عند العربي والمسلم..

فالقاعدة ولدت في ظل طالبان وانشقت عنها داعش، والأخيرة خلقت أبناء تمردوا عليها مثل النصرة، وتآلُف الحوثيين مع آخرين، البعض منهم كان في السلطة وخارجها، هو تآلف مصالح آنية سريعاً ما يتمزق لأن في رحمها نفس عوامل تناقضاتها، والأمر الأكثر انشقاقاً الإخوان المسلمون الذين فقدوا ركائزهم وأعمدتهم ودعائمهم المادية والفكرية، حيث يتساءل الجيل الثالث منهم كيف نحدد المسافة بين الفكر التقليدي، ومصالح قياداته وعصر التحولات في البلدان التي كانت خطط الإخوان ترتكز على الانتشار فيها وحكمها، وهل من الواقعية الانسجام مع الحاضر، أم الانسياق وراء أحلام الماضي وخططه المستحيلة؟

المراحل العربية منذ أكثر من نصف قرن كشفت عن هلامية الفكر السياسي والأيدلوجي الشمولي منه، والمحدد بقومية أو مكان ما في صياغة نهج أدت إلى الفشل، وطالما محور تلك الحركات هو الإنسان وحده وتحديداً في المحيط العربي والإسلامي، فإن التباشير لا تؤكد نجاح هذه التنظيمات لفقدانها أسس المشروع العام للدولة تشريعاتها وأهدافها وخطط مستقبلها، وهي معايير تقاس عليها عوامل الفشل الطويل الذي لم يقدم أي نموذج ناجح..

يوسف الكويليت

نقلا عن “الرياض”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *