تقليص الرواتب : مثالاً!
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
لوسائل التواصل الاجتماعي تأثير بالغ، حيز التأثير الإيجابي فيها ضيق، ونحن مبتلون بمجموعات القص واللصق ومنتخبات النشر المريضة، والطائرين مع أي رابط، والقافزين مع أية فقاعة خبرية، حتى ولو كانت أقرب للألعاب النارية التي يتلذذ في العبث بها الأطفال، ويجدون فيها متنفساً مختلفاً وخانة معقولة لتقديم ذواتهم من خلالها.
يكتب أحدهم خبراً في مقهى أو يصوغ آخر أسطراً ملغمة أو حاقنة باستراحة مهترئة، ويدفع بها لمن يؤجر عقله بين فترة وأخرى وأدمن النشر العشوائي لما يقع بين يديه من دون أن يتساءل مع نفسه عن الفائدة والجدوى، يعجبه أن يكون ذا الرصيد الأعلى في حجم المشاركات، ويشاد به في صندوق التفاعل، لكنها مشاركة تتحدث عن سطحية عامة وقبول موثق للانضمام لحزب «القطيع الاجتماعي»، وهو الحزب الذي يمضي مع أي طريق ويصدق أية كلمة وينقل أية سحابة خبرية عابرة.
بين يدي – وكحصيلة أسبوع فائت – مجموعة من الروابط والمقالات والأخبار وكتابات الشحن والحقن لمجتمع لا ينتظر منه أن يقع في وحل الأهداف وشرك النوايا المبيتة، معظمها لا يصدقه نصف العاقل فماذا عمن يصف نفسه بتمام العقل، أطباق متنوعة من الإشاعات للتشويش والتأثير والزعزعة، سأكون جاداً وحاداً وجريئاً في القول بأنه لا يمكن أن يعول على المدمنين لنقل الأخبار والمعلومات غير الموثوقة من دون الرجوع إلى المصدر، وهذا الإدمان المرضي القادم مع ثورة التقنية الحديثة لا تقف له بالمرصاد المضادات الحيوية ولا الحبوب المهدئة أو الإبر المسكنة، لا يقف له إلا ميثاق شرف مع النفس في ألا يكون المستفيد من هذه التقنية أداة هدم ولا معول خراب، ولنتأكد أن الإشاعة التي تعبر كامل السخافة والسقوط تؤثر في المتلقي الذي يتوازى معها في المستوى الفكري ودرجة الوعي.
لدينا فئة مصابة بمتلازمة مختلفة ذات أعراض مرضية وعلامات متزامنة من مصدر واحد وهو «الفراغ»، سواء كان على الصعيد العقلي البحت أم العقلي الوقتي الجزئي، وهذه الفئة عاكفة صباح مساء على العمل من أجل نشر الإشاعات وتقديمها بأطباق مختلفة وبنكهات متنوعة ولأهداف مختلفة متعددة، تبتدئ من هوس السبق في النشر، مروراً بجس النبض، وانتهاء بشرخ النسيج الوطني وزرع الشكوك، وتقديمنا في عباءة خلاف دائم مع الكل، وحلبة مصارعة، وشك في أي قادم لكرسي مسؤولية، ومع كل مرحلة هادئة تقدم لنا الإشاعات برفقة مروجيها أبطالاً وهميين، ومحرضين بالنيابة، وينتقون الأسماء ذات الشعبية ليمرروا من خلالها رسائلهم الجبانة أو قناعاتهم اللاعبة مع أي موجه، فالمهم هو اللعب، ولكم فقط أن تضحكوا لثوان مع التوزيع الساخن لسذاجة تقليص رواتب السعوديين نظير الهبوط الاقتصادي المفاجئ.
من يؤمن بأن الإشاعات لا تسهم بالتأثير في الرأي العام فهو يغرد في سرب لوحده، ومن آمن بتأثيرها وعرف تسطيحها للوعي وصناعتها لمجتمع يطير ببالون ويهبط ببالون آخر، فمهمته القادمة أن يعود للميثاق ذاته الذي أشرت له في سطر سابق، إلا إذا كان فاقداً له فعندئذ لا حيلة ولا حل، لأن «فاقد الشيء لا يعطيه».
على القاسمي
نقلا عن “الحياة”