في العوامية… تفكيك لميليشيا مراهقة!

انتقلت العوامية في ظرف وجيز من كونها مساحة ضيقة لإثارة الشغب، إلى أن باتت مساحة حاضنة لإرهابيين حقيقيين مدفوعين من معلومين كثر إلى خانة المجهول، الفوضى الحالية التي يقوم عليها من قيل عنهم في السابق من الوقت «مثيرو شغب»، قفزت في ظل الطيبة الأمنية الزائدة على الحد، لمستنقع فعلٍ إرهابي مدروس ومخطط له بعناية، وهناك من يعمق في أذهان الإرهابيين الجدد أن أفعالهم ستؤتي ثمارها وتقدمهم في صورة خيالية، بل تمثل الحل الوحيد لجملة مطالب ترمى هنا وهناك من دون أن توحد في طريق مثالي صحيح لا يمهد لبركة من الدماء أو يقدم ضحايا إضافيين، مع أدنى تحرك أمني أو مواجهة جبرية في شارع ملغم.

لا يمكن أن نسحب مشاهد العوامية كارتداد مذهبي أو صناعة متقنة منه، بل كانت الفئة المتطرفة في العوامية نشازاً من الإطار المذهبي المتقاطع معنا وحدة ومواطنة، والفئة العابثة بالأمن في مسرح العوامية المتجدد اعتقدوا أن العنف هو الطريق الذي يقدمهم كما يريدون، أو بالأصح كما يرسم لهم القابعون في الخلف والمختفون وراء العباءات والعمائم، لتكون الفئة وحدها بمثابة الحطب في حلبة لم تكن ولن تكون متكافئة.

الأقلية المذهبية المشاغبة سابقاً والإرهابية حالياً تمسح وتتمسح بالوطنية، فهي لا تحمل تجاهها سوى احتقان متضاعف ورغبة مشتعلة لتقديم قائمة محدثة من الضحايا والأبرياء، واستهداف ما يضع الأمن في صورة مهتزة بحسب المخطط المرسوم، أبرياء ذهبوا لفجائية الموت في مسرح العوامية الدموي لسبب قاهر أختصره في أنهم كانوا بمكان ما على المسرح الذي يقتنص أي عابر، ولا يهمه كيف ومن يقتنص مع استمرار عرضه الإجرامي.

في العوامية وغيرها تذوقنا مرارة التخريب والشغب والحراك الإرهابي المريض، ظللنا نتجاذب أسطر مائلة وقناعات مرتبكة، لكننا نتفق أن من يزعزع الأمن يستحق الاستئصال المناسب لوضعه، في ظل أن الاستئصال علاج فريد مطمئن لأية بذرة خبيثة، وكل شيء يمكن التفاوض والتحاور بشأنه إلا أمن الوطن، فهو خط أحمر نختلف من قبله، لكننا نتفق عليه بلا قيد ولا شرط.

لن يقبل عقلاء المذهب الشيعي أن تتحول العوامية لقنابل موقوتة، وتصبح مرتعاً للمتواطئين مع كل شذوذ فكري، نحن في حاجة وطنية ملحة إلى أصوات هؤلاء العقلاء لتؤثر في المكان وتهدئ التهور الذي يمكن أن يقابل ويواجه بأي شيء إلا الصمت، لا قيمة كبرى لصوتهم إلا في هذا التوقيت تحديداً وبرفقة هذه الأحداث، فالمحاولات الخارجة عن القانون والمستثناة من قواعد السلام والتعايش والمحبة والمواطنة من أجل الدفاع عن كل من هو شاذ ومنحرف تستلزم وحدة وطنية نقية مصحوبة بقدر موازٍ – للفعل المنحرف – من التعامل والقوة والتصفية والمواجهة، ولا يغضب أحد حين يُقدم إرهابيو العوامية في الذهنية الاجتماعية بوصفهم «شبيحة» في خريطة أخرى، أو خائنين ماثلين أمام الأعين، الجراح الوطنية يا سادتي لا تبرأ بالتسطيح والمجاملات، وما يحدث في العوامية جرح وطني سيبرأ كما برأت غيره من الجروح.

على القاسمي

نقلا عن “الحياة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *