اهتمام سعودي بسلاسل الإمداد العالمية
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
عانى العالم في الفترة الماضية من تضخم الأسعار؛ بسبب النقص الناجم عن اضطرابات الإنتاج والأحداث الجيوسياسية منذ جائحة كورونا وطوفان الأقصى والحرب الروسية في أوكرانيا والعمليات الحوثية التي هددت الملاحة في البحر الأحمر الذي يصل بين الشرق والغرب.
أصبح العالم يناقش أزمة سلاسل الإمداد، ومستقبل العالم التجاري، التي بدأت زمن جائحة كورونا خلال فترة لم تتجاوز العامين، خصوصاً الدول البعيدة أو الدول غير المنتجة، وحتى الدول المتقدمة التي عانت من أزمة سلاسل الإمداد، تكمن أهمية سلاسل الإمداد في انخفاض تكاليف عمليات النقل والشحن من خلال عملية دورة إنتاج وتصدير السلع بشكل أسرع؛ لتسهيل عملية التصنيع المعقدة التي تعيق نشاطها الصناعي، والتي أدت إلى توقف عدد كبير من المصانع والشركات عن العمل لفترة طويلة.
تلعب الجغرافيا دوراً في تعزيز دور سلاسل الإمداد، ويلعب موقع السعودية الاستراتيجي دوراً لتأمين سلاسل الإمدادات العالمية وضمان استدامته، إلى جانب قدرة الموانئ السعودية البحرية والبرية على بناء خارطة طريق عالمية للخدمات اللوجستية، يسهم ذلك في توطين الصناعة في السعودية، خصوصاً أن العالم ينظر إلى السعودية استعدادها وسط الاضطرابات العالمية للمساهمة في تعزيز متانة سلاسل الإمداد العالمية، بأن تصبح مركز العالم من أجل ضمان تواصل سير العمل في جميع القطاعات، وذلك في حال حدوث اضطرابات غير متوقعة في سلاسل الإمداد.
قامت السعودية منذ 2022 بإطلاق المبادرة الوطنية لسلاسل الإمداد العالمية؛ لأن تكون موقعاً مختاراً للشركات الصناعية العالمية الرائدة واستقطاب الاستثمارات في سلاسل الإمداد، وأن ترفع مركزها العالمي في 2022 من المركز الـ 91 وفق مقياس البنك الدولي حول قدرة البلدان على نقل البضائع عبر الحدود بسرعة وموثوقية، ويقوم على 6 معايير: الكفاءة اللوجستية، الشحنات الدولية، البنية التحتية، الجمارك، تتبع الشحنات، التوقيت.
تود السعودية أن تكون أحد أهم الدول المؤثرة في مرونة سلسلة التوريد في القطاعات الصناعية، بجانب الدول الخمس التي تعتمد عليها دول العالم، فالتخزين الاستراتيجي كسويسرا التي تخزن المواد الغذائية والصحة والوقود والمواد البلاستيكية المفصلة في القانون الاتحادي بشأن الإمداد الاقتصادي الوطني، والتوطين كالولايات المتحدة التي شرعت قانون الحد من التضخم لتعزيز توطين تكنولوجيا تخزين الطاقة المتجددة، فيما الدعم القريب تتولاه كندا والمكسيك والولايات المتحدة حسب اتفاقية التجارة المحدثة (USMCA) التي تشجع المصنعين على نقل الإنتاج إلى المكسيك وبعيداً عن الموردين البعيدين والمعرضين للخطر، أما أداة دعم الأصدقاء فتتبناها الهند واليابان وأستراليا التي أطلقت مبادرة مرونة سلسلة التوريد (SCRI) لتعزيز انتقال مراكز الإنتاج إلى قطاع التصنيع الهندي، أما الشراكات الدولية فتمارسها السعودية التي تبنت مشروعاً مشتركاً بين صندوق الاستثمارات العامة السعودي وشركة معادن لشراء حصة بقيمة 3,4 مليار دولار في أكبر شركة تعدين برازيلية تقوم بتشغيل مناجم الليثيوم والنحاس والحديد والنيكل في عدة دول مثل البرازيل وكندا والهند، هذه دافع لتحقيق مرونة سلسلة التوريد للتغلب على تعقيدات الاقتصاد العالمي المترابط.
حققت السعودية نقلة نوعية في القطاع اللوجستي خلال الأعوام الخمسة الماضية دفعها ذلك 17 مركزاً في مؤشر الأداء اللوجستي (Lpi)، حيث ارتفع ترتيب السعودية إلى المركز 38 في المؤشر في عام 2023 من بين 139 دولة حول العالم مقارنة بالمركز الـ55 في عام 2018 من بين 160 دولة.
انطلقت السعودية نحو المستقبل لتصبح قوة صناعية رائدة، ومركزاً لوجستياً عالمياً، بعدما وضعت برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية خطة طموحة تعتمد على مكامن القوة التي تتمتع بها السعودية، وحققت الموانئ السعودية تقدماً كبيراً بإضافة 231.7 نقطة في مؤشر اتصال شبكة الملاحة البحرية، وفق تقرير الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ( أونكتاد ) لعام 2024 إلى جانب إدخال 30 خطاً بحرياً جديداً للشحن، مع إنشاء 18 منطقة لوجستية باستثمارات تتجاوز 10 مليارات ريال، تهدف للوصول إلى 59 منطقة بحلول 2030 من أصل 22 منطقة قائمة حاليا، لتعزيز القدرة التنافسية للسعودية ودعم الحركة التجارية.
كعادة السعودية التي تربط إنجازاتها دائماً بإقامة مؤتمرات في السعودية للاستفادة من التجارب العالمية، وهي تستضيف مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجستية في نسخته السادسة في الرياض في 15، 16 ديسمبر 2024، الذي يهدف إلى تعزيز التكامل بين أنماط النقل ورفع كفاءة الخدمات اللوجستية لتعزيز موقعها مركزاً لوجستياً عالمياً، يتزامن مع توافد كبرى الشركات العالمية للاستثمار في القطاع اللوجستي، وبالفعل سجلت السعودية ارتفاعاً في إعادة الصادرات بنحو 23 في المائة عن 2023 بنحو 61 مليار ريال، وشهد مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجستية توقيع 86 اتفاقية، بهدف تعزيز أداء سلاسل الإمداد.
** **
– أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية سابقاً بجامعة أم القرى
نقلًا عن “الجزيرة“