قبل أن يلقي البروفيسور مونجي باويندي خطاب قبوله جائزة نوبل لعام 2023م، كان متوترًا. فعلى عكس محاضراته في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، سيكون هذا الخطاب موجهًا لجمهور عالمي وسيُحفظ لسنوات قادمة.
بحث باويندي في الملفات القديمة ليروي قصة أبحاثه التي استمرت عقودًا من الزمان والتي كان يأمل ذات يوم أن تُطور من سبل الاستفادة من الليزر في مجال الاتصالات. وبدلا من ذلك، فإن طريقته الجديدة لإنشاء النقاط الكمومية ستُستخدم فيما بعد في شاشات التلفاز والتصوير الطبي لعلاج السرطان، فضلا عن الابتكارات الزراعية.
يقول باويندي: “عندما كنا نقوم بعملية الاكتشاف، لم يكن لدينا أي فكرة عن التطبيقات. فقد كان كل شيء علمًا قائمًا على الفضول”.
أصبحت أهمية الفضول للابتكار العلمي موضوعًا رئيسيًا لخطاب باويندي عند قبوله جائزة نوبل. فقد قال في ستوكهولم في ديسمبر 2023م: “العلماء مستكشِفون؛ فنحن نطرح الأسئلة ونعقد العزم على إيجاد إجابات عن العالم من حولنا. والإجابات تغيرنا أحيانًا بشكل عميق، وأحيانًا تؤدي إلى تقنيات ذات تأثير كبير”.
هذا العام، ستُلقي مجموعة جديدة من الفائزين بجائزة نوبل خطابات في أوسلو وستوكهولم حول أعمالهم الحائزة على الجوائز. قال إد باركس، مستشار الاتصالات الاستراتيجية ومؤلف كتاب ’الحقيقة بشأن التحدث أمام الجمهور‘، “ستكون هذه واحدة من أكبر المنصات التي سيحظون بها على الإطلاق في حياتهم المهنية”.
يعمل الفائزون بجائزة نوبل لعام 2024 في مجالات الكيمياء والفيزياء والأدب والاقتصاد، ومن بينهم مجموعة من الناجين من القنبلة الذرية، الذين سيحصلون على جائزة نوبل للسلام. وبالإضافة إلى الانتشار العالمي لمحاضرات نوبل، يقول باركس إن الفائزين في مجالات العلوم غالبًا ما يواجهون التحدي الإضافي المتمثل في تبسيط البحث التقني لكي يتمكن الجمهور العام من استيعابه.
يقول الأستاذ الفخري بجامعة كولومبيا لويس بروس، الذي تقاسم جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2023م مع باويندي وأليكسي يكيموف، من شركة نانوكريستالس تكنولوجي إنكوربوريتد، إن خطابات العلماء يجب أن تشرح أيضًا الفائدة العملية لأبحاثهم. وقال بروس: “إن لجنة نوبل مهتمة جدًا بالصلة بالمجتمع. إنهم يريدون معرفة ما فعلته وكيف غير ذلك العالم”.
يقول الشاعر والمؤلف إي إيثيلبرت ميلر المقيم في واشنطن إن الفائزين السابقين، مثل الحائز على جائزة الأدب الأميركي، ويليام فوكنر، استخدموا خطابات قبولهم كــ “فرصة لمخاطبة البشرية ككل والتركيز على الروح الإنسانية”.
وقال فوكنر للأكاديمية في عام 1950م، مخاطبًا عالَمًا ما زال يتعافى من دمار الحرب العالمية الثانية: “أعتقد أن الإنسان لن يصمد فحسب: بل سينتصر”. وأضاف أنه “لا ينبغي لصوت الشاعر أن يكون مجرد سجل للإنسان، بل يمكن أن يكون أحد الدعائم والركائز التي تساعده على الصمود والانتصار”.
كما تناول الروائي جون شتاينبك في خطاب قبوله لجائزة نوبل عام 1962م دور الكاتب في تقدم المجتمع. وقال إن الكاتب “مكلف بكشف عيوبنا وإخفاقاتنا العديدة الفادحة، وإخراج أحلامنا المظلمة والخطيرة إلى النور بغرض التحسين”.
وفي خطاب قبولها لجائزة نوبل للآداب عام 1993م، تناولت توني موريسون استخدام اللغة في المجتمعات. وأشادت بقوة الكلمات في التعبير عن معنى الحياة، لكنها حذرت من أن اللغة يمكن أن تُستخدم أيضًا لقمع التبادل المتبادل للأفكار. وقالت موريسون: “سواء أكانت كبيرة أو نحيلة، جارحة أو صارخة، أو رافضة للتقديس؛ وسواء أكانت تضحك بصوت عالٍ أو كانت صرخة بلا أبجدية، فإن الكلمة المختارة، والصمت المختار، واللغة غير المكبوتة تندفع نحو المعرفة، وليس نحو تدميرها”.
ويقول ميلر إن الكلمات القوية التي تُلقى على مسرح نوبل يمكن أن تؤثر على المجتمعات. ففي خطاب قبوله الجائزة قبل 60 عامًا، شبه مارتن لوثر كينغ جونيور جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها بتصويت على الثقة في النضال اللاعنفي لحركة الحقوق المدنية الأميركية.
وقال كينغ في 10 كديسمبر 1964م: “إنني أرفض قبول الرأي القائل بأن البشرية مُقيّدة بشكل مأساوي بظلمة ليل العنصرية والحرب الذي لا نجوم فيه بحيث لا يمكن أن يصبح بزوغ فجر السلام والأخوة المشرق حقيقة واقعة”. وفي العام التالي، أقر الكونغرس الأميركي قانون حقوق التصويت لعام 1965م، الذي يحظر التمييز في التصويت.
يقول باويندي إن الفوز بجائزة نوبل أدى إلى العديد من فرص التحدث الأخرى. وقد ساعده صياغة خطاب قبوله على الاستعداد للتواصل بشكل أفضل مع جمهور أوسع. وقال: “لقد طُلب مني إلقاء الحديث نفسه عدة مرات الآن”، مضيفًا أنه غالبًا ما يشجع الشباب على إرضاء فضولهم. وأضاف: “إنني أقدم نسخة من هذه المحاضرة، وأنا أفضل بكثير في ذلك الآن مما كنتُ عليه في عام 2023م”.
يقول ميلر إن إلقاء خطاب جائزة نوبل هو فرصة لا يحصل عليها سوى القليل من الناس. وقال: “إذا كان لديك الميكروفون، فتأكد من استخدامه. وتأكد من التحدث نيابة عن أولئك الذين لا يستطيعون”.
خطابات قبول جائزة نوبل للمؤلفين جون شتاينبك (إلى اليسار) وويليام فوكنر استحضرت دور الكاتب في بناء عالم أفضل. (© AP photos)