ماذا لو لم ينعم علينا الله بنعمة النسيان؟!
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
يقول الله سبحانة وتعالى: “لقد خلقنا الإنسان في كبد” . و “الكبد” في كل التفسيرات هو الشدة والمشقة والعناء . ففي الدنيا مشاهد مؤلمة وأحداث متعبة ومصائب تهد الجبال من هولها . ولعل كل واحد منا يعيد شريط حياته منذ طفولته وحتى هذه اللحظة ، ليستعرض كم في تلك الذكريات والمشاهد من مآسِ وأحزان وهموم ومصائب . لا أحد منا لم تمر عليه تلك الظروف . ولو وزنا تلك المآسي في ميزان الحياة ، ربما كانت بوزن الجبال أو أكثر.
يقال إن كل شيء يبدأ صغيراً ثم يكبر ، إلا المصيبة تبدأ كبيرة ثم تصغر وقد تتلاشى بفضل نعمة النسيان . وقد جال بخاطري هذا السؤال: “ماذا سيكون حالنا لو لم ينعم الله علينا بنعمة النسيان !؟ ” . تخيل نفسك الآن وقد بقيت ذكرياتك الحزينة منذ صغرك وحتى لحظتك هذه عالقة بذاكرتك !! . لا أظن أن هناك مخلوق في هذه الدنيا يمكنه العيش وكل همومه ومصائبه وأحزانه تصاحبه كل صباح ومساء . هناك من فقد والديه ، وآخر امتحن الله صبره في أحد أبنائه ، أو تدمرت حياته العملية والمجتمعية . وهناك من قست عليه الحياة في ماله أو أحد أقاربه . هناك أطفال عاشوا طفولتهم أيتاماً بعد فقد والديهم . ومع ذلك وبفضل الله ثم بفضل نعمة النسيان ، تعايشوا مع مآسيهم ، وتجاوزا الأوقات الصعبة المحزنة .
نعمة النسيان هي رحمة من الله لحماية النفس البشرية من العيش في دوامة الألم المستمر ، وتساعد على تقليل المشاعر السلبية ، وتعزز الصحة النفسية وتحميها من أمراض اليأس والاكتئاب ، وتمنحها الفرصة للتركيز على الحاضر وتجاوز مآسي الماضي .
أتفهم جيداً أولئك الذين يقاومون النسيان ، من باب أن من الوفاء عدم نسيان من فارقوا الحياة من أحبابهم وأقاربهم . لكني أقول إنه لا أحد يطلب أو يطالب بذلك ، فمن فقدناهم يظلون في قلوبنا ووجداننا وعواطفنا ، بل أقصد ألا يظل الإنسان حبيس تلك الذكريات . فالحياة لا تتوقف عند أحد . فإن توقفت أنت عند ذكرياتك وعطلت حياتك فستجد نفسك في دائرة الاكتئاب كمسجون لا يريد الخروج من سجنه حتى لو بقي وحيدا . وهذا عكس سنة الحياة . ولكم تحياتي