خالد الحمدان.. توارى كنجمة خلف الليل

أحمد بن عبدالله الحسين

خالد عبدالعزيز الحمدان توارى كنجمة خلف الليل، ذهب إلى ربه، جمعتنا معه أُلفة وجيرة وأخوة، تلاويح ذكراه لا تبارح مثلما تنام وردة مدفونة في كتاب. عرفته؛ بابه مفتوح، وخيره ممنوح، وطعامه موضوع، ونائله مبذول، وعفافه معروف، وآذاه مكفوف، أحببناه يتفقدنا ونفتقده، وقربى ليست من بعيد تجمعنا به، أتلمس من قرب معرفته يأنس الخبيئة، يضمها في حناياه، ولعلها مقام صدق لأُخراه، والبارئ عزوجل رحيم غفور كريم.

الموت مورد جاري ترده النفوس، ويطوي الزمان والأجيال، والأقدار بأحمالها هي ضيوف الرحمن لمن حمل يقين الإيمان فيُحسن قِراها (ضيافتها) لتأتي يوم القيامة مادحة لا قادحة، وقدر موت من نُحبّ جلّل مكتوب، ولطف البارئ به محسوب، والمُتوفى أمانة رجعت لربها، وروح علّت في ملكوتها، ولا نقول إلا ما يُرضي الربّ تُطاب به النفس، والله يقول:
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ *أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ*. رحم الله أبا فيصل قدم إلى رب كريم وهو بّارٌ بأهله ومُحبيه فطوبى له الدعاء ورضي الله عنه ورفع درجته، وطيبَّ الله أهله صبرا واحتسابا وعوضا وثوابا.

هو كريم الطباع جاذب الحضور ذائع الخُلق من عرفه وقرّه، لا تسمع إلا طيب الكلام، ذاكرتي لا ينفك منها وشخصيته قدوة لمن تأملها، يدبَّ أثره في الحشا رقراق، وربط تلابيب قلوبنا بوِثاق. طالما قصدت ديوانه الأسبوعي، يجمع به صحب متألفون، وهو شامة بينهم يُدخل السرور، تلين له الأعطاف، وأسارير حديثه تتنوع الأطياف.

عزاؤك أبا فيصل لا تُحيطه عبارة، والمشاعر لا تُؤطر أسراره. فاللهم رحماك له أنزل عليه شآبيب المغفرة، وألحقه بالأولياء والصالحين، وألَهَمنا العِظة في غيابه.

هو اللهُ رَبّي والقَضاءُ قَضاؤهُ
ورَبّي على ما كان مِنهُ حَميدُ

هكذا المنايا تتسلّلُ يوماً فيوماً ولا نشعر بها، ولكن متى فارقَنا من نُحبهم نبّه القلبُ فينا بغتةً معنى الزمن الراحل فكان من الفراق على نفوسنا أثر كتطايرِ عدةِ سنينَ من الحياة.

أذكره في خاطري كربوةٌ طلتها تُلهم القلم لينطُقا، لفسيح أرض العين لأطرفها ترمُقا، بل قمر برائعة النهار من سمائها تدلى، وشمس تجرُ بمغيبها سدول شفق خجلى. هو ذاك يعمل الخير بصوت هادئ، وتتحدث خصاله بصوت عال. تُذكرنا سيرته لفهم أن الدنيا قوسان الأول منها الولادة، والثاني الموت، فيُعمر ما بينهما بكل ما هو نافع هكذا هو كما عرفته.

هذا رثاء ما في بواطن النفس عنه، وما تنطق به تلافيف الحشا. لا أُبالغ هذا التوصيف ولا نزكي على الله أحدا، فهو قد ارتحل إلى ربه ودعنا وكأنه يقول:
فأحيي ذكرك بالإحسان تزرعه
يجمع به لك في الدنيا حياتان
أو يوصي للذي أحصى السنين مفاخرا، يا صاح ليس السرّ في السنوات، لكنه في المرء كيف يعيشها،  وهكذا الزمان وعاء وما ألقي فيه من خير أو شرّ كان على حاله. ونحن نقول لروحه الطيبة:

على رغم المنايا تبقى قريبا
وليس بضائري بُعد الزمانِ
إذا ما فات عيني أن تراكُم
ففي قلبي أراكم كل آنِ

بارك الله في عقبه فيصل وبناته وزوجته العامرة الصابرة، والعزاء لهم متصل ولأسرة الحمدان ذات محامد البّر والصلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *