تأثير توترات الشرق الأوسط على الانتخابات الأمريكية
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
لا شك أنَّ تأثير الانتخابات الأميركية يمتد إلى مختلف أنحاء العالم، خصوصاً على منطقة الشرق الأوسط المتوترة، باعتبار أميركا دولة ذات تأثير كبير على أحداث الشرق الأوسط الساخنة. فكل منهما يشكل قوة جذب للأخرى. ونادراً ما تكون السياسة الخارجية مهمة جداً في الانتخابات الرئاسية الأميركية، ولكن هذا العام يشكل استثناءً. فاندلاع حرب مع إيران قد يكون له تأثير كبير على المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، خصوصاً مع تحدي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الواضح للجهود التي تقودها الولايات المتحدة للتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة ولبنان، ما أدى إلى تنفير العديد من الديمقراطيين التقدميين، وفقاً لصحيفة “الغارديان”. وتواجه هاريس معركة صعبة في ولاية ميشيغان، التي تضم جالية عربية – أميركية كبيرة، وقد تكون هذه المفاجأة القاتلة في الانتخابات، خصوصاً إذا ارتفعت أسعار النفط.
رغم أن “الحكومة العميقة” تنظر إلى قضايا الشرق الأوسط بصرف النظر عن هوية ساكن البيت الأبيض ضمن إطار أوسع، إلا أنَّ السياسات الأميركية تختلف عبر العصور. فعلى سبيل المثال، كانت عقيدة أيزنهاور (1954-1961) تركز على مكافحة النفوذ السوفييتي، وتدخلت أميركا في لبنان عام 1958 تحت ذريعة التهديد السوفييتي للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية. أما في عهد جيمي كارتر، الذي خسر الانتخابات رغم كونه مهندس اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، فقد أثرت أزمة الرهائن في إيران بشكل كبير على خسارته، فيما خسر جورج بوش الأب الانتخابات رغم نجاحه في إخراج صدام حسين من الكويت عام 1991 بسبب التدهور الاقتصادي. وحتى دونالد ترمب، رغم أدائه القوي في السياسة الخارجية، إلا أن الاقتصاد كان العامل الرئيسي في خسارته، على غرار بوش الأب. أما جورج بوش الابن فقد قاد الحرب على الإرهاب عقب هجمات 11 أيلول (سبتمبر)، فيما سعى باراك أوباما إلى اتباع نهج وسطي بين سياسات بوش الابن وترمب، خاصة بعد إعلان صفقة القرن ونقل السفارة الأميركية إلى القدس.
تبقى الأهداف الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة في الشرق الأوسط ثابته على رأسها أمن إسرائيل، والحفاظ على مصالح الولايات المتحدة من الاستحواذ عليها من قبل دول صاعدة مثل الصين، أحد السيناريوهات هو أن تفوز كامالا هاريس وتواصل سياسات جو بايدن بما يتماشى مع جناح أكثر تقدمية في الحزب الديمقراطي، على عكس ترمب التي تعول عليه إسرائيل على وصوله الذي نقل عاصمة إسرائيل إلى القدس، وفي 2019 اعترفت إدارته بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان التي ضمتها، وأمل نتنياهو في تحقيق هدفه الاستراتيجي الطويل الأمد تجنيد الولايات المتحدة لشن هجوم حاسم على البرنامج النووي الإيراني.
بينما في عهده ترمب لجأ إلى الانسحاب الآحادي الذي وقعته الدول 5+1 في 2015 ووضع عقوبات مشددة جدا على إيران ليعيق عمل البرنامج النووي بدلا من الهجوم الذي يسعى له نتنياهو، خصوصا وأن ترمب ألغى ضربة صاروخية على إيران في 2019 مقابل إسقاط إيران طائرة أمريكية بدون طيار، لكنه أعطى الضوء الأخضر لاغتيال قائد الحرس الثوري قاسم سليماني في يناير 2020 هو وقائد الحشد الشعبي في العراق أبو مهدي المهندس، حيث يسير ترمب على نهج ترومان في انتخابات 1948 عندما اعترف بدولة إسرائيل قاد إلى فوزه على المرشح الجمهوري توماس ديوي، ما مثل مفاجأة للكثير من المراقبين، كما يحرص ترمب يحرص الديمقراطيون أيضا على أصوات اليهود.
لذلك تنظر إسرائيل على ارتفاع أسعار النفط بعد ضربة تقوم بها لمصافي النفط الإيراني 1.7 مليون برميل يوميا على أنه فائدة للحملة الانتخابية للرئيس السابق دونالد ترمب، بحسب رويترز، لكن لدى الولايات المتحدة مستويات عالية من مخزونات النفط الخام ولدى دول أوبك احتياطيات ضخمة، رغم ذلك ترفض إدارة بايدن تدخل إسرائيل في التاثير على الانتخابات الرئاسية.
لكن تطورا دوليا آخر بعيدا عن أحداث الشرق الأوسط كان بمثابة عامل حسم في انتخابات 1968 بسبب التورط الأمريكي في حرب فيتنام من بين العوامل التي حسمت السباق الرئاسي لصالح الجمهوري ريتشارد نيكسون على حساب المرشح الديمقراطي هيوبرت همفري، كما أن فشل النسر الأمريكي نتيجة عاصفة رملية التي أمر بها الرئيس كارتر في أبريل 1980 قادت إلى تحطم الطائرات أسفر عن مقتل 8 جنود أميركيين، بعدما تحولت العلاقة بين الخميني وأمريكا من صداقة إلى توتر بسبب دخول الشاه إلى الأراضي الأميركية للعلاج، اقتحم طلاب إيرانيون مقر السفارة الأمريكية في طهران واحتجزوا العشرات من الموظفين والدبلوماسيين، حرمت كارتر من الفوز بولاية ثانية، رغم نجاحه في الوساطة بين إسرائيل ومصر بوصفها إحدى إنجازاته في الشرق الأوسط.
طبعا ليس فقط خسر كارتر بسبب تلك الأزمة، بل بسبب أيضا عنصر الاقتصاد الذي كان أيضا حاسما في خسارة كارتر، وليس فقط أزمة الرهائن التي كان لها تأثير ما لكن ليس تأثيرا رئيسيا، وكان استطلاع جرى في ذلك الوقت كانت نتيجته أن 53 في المائة يرون القضايا الاقتصادي هي أبرز ما كان يواجه البلاد، بينما 5 في المائة فقط يرون أن ما حدث في إيران له أهمية، وهذا ما حدث أيضا لجورج بوش الأب في 1992 الذي كان يعول على إنجازاته الخارجية لتأمين الفوز بولاية ثانية إذ مثلت نهاية حقبة الحرب الباردة، بجانب خروج الولايات المتحدة منتصرة في حرب الخليج الثانية ضد العراق، فالبعد الاقتصادي له أهمية حاسمة في الحملات الانتخابية على حساب القضايا الأخرى.
* أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية سابقا بجامعة أم القرى
Dr_mahboob1@hotmail.com
نقلًا عن «بيروت تايمز»