السعودية ومصر ركيزة الاستقرار العربي

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أجرى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان زيارة في 2022 سبقت زيارة الرئيس الأميركي جوزف بايدن للسعودية بعدما فشلت محاولات بايدن عزل السعودية، وأجرى كذلك زيارة إلى مصر والأردن وتركيا بعد إجراء مصالحة مع تركيا، بعد تسع سنوات من الخلافات عندما بدأ نهم تركيا في الحصول على كعكتها من المنطقة العربية حتى لا تستأثر بها إيران بمفردها لكن كانت حسابات تركيا الاستراتيجية خاطئة بل اكتشفت أنها خاطئة وتداركت ذلك عندما إنهار الاقتصاد التركي، الذي يعتمد كثيرا على العلاقات مع الدول العربية، وبشكل خاص مع دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، تخللها توقيع اتفاقيات اقتصادية وتفاهمات سياسية لرسم خارطة تحالفات في المنطقة، بتعزيز التعاون الاقتصادي من جهة، ومواجهة التهديدات الإيرانية من جهة أخرى في ظل تنامي انتشار مخاطر المليشيات المسلحة التي تمولها إيران، أكان ذلك في سوريا، أو لبنان، أو العراق، أو اليمن، رغم أن الشرق الأوسط تأثر بشكل كبير من تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية التي بدأت في 24 فبراير 2022.

زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الثامنة في 15 أكتوبر 2024 ومنذ الزيارة الأولى في أبريل 2015 للقاهرة، وهو في طريقه لحضور القمة الخليجية الأوروبية في بروكسل، بسبب أن العلاقة بين البلدين تتسم بالعمق التاريخي والتعاون الاستراتيجي والتنسيق المستمر تجاه القضايا والملفات ذات الاهتمام المشترك على الساحتين الإقليمية والدولية، في مقدمتها القضية الفلسطينية والتطورات في لبنان والمنطقة، ويسعى البلدان لدعم وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وملفي البحر الأحمر والسودان.

فيما كان التمثيل منخفضا في قمة البريكس بحضور نائب وزير الخارجية السعودي باعتبار أن القضايا الساخنة في المنطقة ذات أولوية لدى السعودية وتأثير أوروبا وأمريكا أكثر من تأثير دول أعضاء دول البريكس، وحتى لا تثير الولايات المتحدة ذات التأثير المباشر في حل القضايا الساخنة، خصوصا وأن روسيا تراهن على توسع كبير لتجمع بريكس في مواجهة الأحادية القطبية في 22 من أكتوبر 2024، في قازان عاصمة جمهورية تتارستان والتي تستمر يومين، لكن هناك دول في البريكس مثل الهند ليست لديها مشكلات سياسية واقتصادية مع أمريكا، وكذلك البرازيل لوحظ من تصريحات دا سيلفيا خلال قمة بريكس 2023 بجنوب أفريقيا أنها تحاول تخفيف حدة اللهجة التي تنتهجها روسيا، إذ صرح أن هدف بريكس ليس تحدي التحالفات الدولية الأخرى مثل مجموعة السبع أو مجموعة ال20 ولا تحدي الولايات المتحدة، إنما تسعى فقط إلى تنظيم ما يسمى الجنوب العالمي، وإن كان يتبنى ضرورة وجود عملة موحدة لبريكس وأوضاع اقتصادية عالمية أكثر إنصافا للدول الصاعدة والنامية.

وحضور ولي العهد قمة بروكسل لتطوير الشراكات الاستراتيجية الدولية للسعودية في ظل ما حققته رؤية السعودية لتعزيز العمل الخليجي المشترك، من نجاح في تفعيل الشراكات الدولية الاستراتيجية لمجلس التعاون الخليجي إقليميا وعالميا، وكذلك في تأكيد موقف السعودية الثابت تجاه مناصرة القضية الفلسطينية ودعم الجهود الرامية لتحقيق السلام الشامل والعادل الذي يكفل حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، وسبق أن أعلن وزير خارجية السعودية عند الإعلان من نيويورك عن اعلان التحالف الدولي لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة أكد على أنه تحالف عربي أوروبي.

 اكتفت السعودية بصفة مراقب في مجموعة البريكس خصوصا وأنها لا تود في هذه الظروف الساخنة أن تشارك وزراء المالية في بريكس توقيع اتفاقية على التعامل بالعملات الوطنية بديلا للدولار، وهذا لا يعني تخفيض الشراكات الاستراتيجية مع دول البريكس بل على العكس لها أهميتها وبشكل خاص الصين تعد من أكبر المشترين للنفط السعودي، ولديها علاقات وثيقة مع روسيا في إدارة ملف النفط العالمي حفاظا على استقرار أسواق النفط وفي ملفات أمنية إقليمية أخرى.

فزيارة ولي العهد لمصر ستعزز آفاق التعاون الاستراتيجي والاقتصادي بما يحقق مصالح البلدين والمنطقة العربية لتوحيد الرؤى بشأنها، وكان للبلدين دور كبير في دعم الشعب الفلسطيني وجهوده لنيل حقوقه المشروعة وما زال دور البلدان وجهودهما يتواصلان لوقف الحرب الإسرائيلية على فلسطين والعمل على إدخال المساعدات الإنسانية والطبية للشعب الفلسطيني، حيث تعتبر القضية الفلسطينية بند أساسي ومصيري في كل الجهود الدبلوماسية للسعودية الرامية إلى الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية المستقلة بحدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

ومنذ تولي الرئيس السيسي السلطة قدمت دول الخليج والسعودية بشكل خاص دعما ماليا كبيرا لمصر، لكن بعدما استقرت دولة مصر انتقلت تلك الدول إلى تعزيز الاستثمارات، وتركز السعودية على تطوير السياحة في جنوب شبه جزيرة سيناء وعلى البحر الأحمر وهما منطقتان تحظيان باهتمام خاص لديها نظرا لموقعها المتميز قبالة السعودية إلى جانب شراكات اقتصادية واسعة هناك أكثر من 70 اتفاقية وارتفع التبادل التجاري 41 في المائة في النصف الأول من 2024.

كما تكمن أهمية الزيارة في تزامنها مع ما تشهده المنطقة من تصعيد للعمليات العسكرية بين إسرائيل وإيران، حيث ينسق الجانبان بفاعلية ضمن اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية، للتحرك دوليا لوقف الحرب على غزة والضغط من أجل إطلاق عملية سياسية جادة لتحقيق السلام الدائم، وأثمرت جهود اللجنة بقيادة السعودية اعتراف 147 دولة بالدولة الفلسطينية وإعلان إطلاق وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان من نيويورك على هامش قمة المستقبل التي احتضنتها الأمم المتحدة في 22 سبتمبر 2024  بإعلان وإطلاق التحالف الدولي لحل الدولتين.

* أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية سابقا بجامعة أم القرى

        Dr_mahboob1@hotmail.com

نقلًا عن «بيروت تايمز»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *