هل ينجح حزب الله التمسك بالإسناد وربط الساحات؟

د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب

رغم الغارات الإسرائيلية التي أشعلت لبنان من جنوبه إلى بقاعه، مرورًا بالضاحية الجنوبية لبيروت وجرود منطقة جبيل وتخطي عدد الضحايا الـ 500 في اليوم الأول من الحرب على لبنان.

لم تخرج بيانات حزب الله عن أدبياتها القائمة على وحدة الساحات وربط لبنان بغزة، ويصر حسن نصر الله على تجيير كل عملياته على طريق القدس، وإن كان أضاف إليها دفاعا عن الشعب اللبناني، باعتبار أن كل قيادييه وعناصره الذين سقطوا على يد إسرائيل أنهم سقطوا على طريق القدس، ولا يود يعترف بأنه السبب في تدمير لبنان.

السؤال هنا، ما هو مصير محور المقاومة التي تصر إيران على أن تكون راعيته، وهي من ابتدعت فكرة وحدة الساحات، ليبقى شعار تحرير فلسطين العمق الأساسي للثورة الإسلامية، وأن فك الارتباط بين الجبهتين يعني إغلاق جميع الجبهات، خصوصا غلق جبهة لبنان الأكثر فاعلية، بينما باقي الجبهات الأخرى ثانوية بما فيها جبهة الحوثيين تواجد إيران على البحر الأحمر واستخدامه في الضغط على الولايات المتحدة كورقة ضغط وورقة تفاوض، وهو ما جعل إيران بعد التهدئة بينها وبين السعودية ترفض أن تقيم السعودية علاقة مع إسرائيل مقابل إقامة دولة فلسطينية، ما يعني أن السعودية تحقق وقف الصراع في المنطقة وقيادة مرحلة تنموية إقليمية ودولية وتحصل على مميزات تقنية ونووية سلمية ودفاع أمريكي، فيما إيران تخسر كل شيء ولن تحصل على شيء، فقررت تبني طوفان الأقصى في أكتوبر 2023.

ولكن ما هو دور حزب الله في تلك المواجهة، فقد كان مقررا أن يقوم حزب الله وفق مفهوم وحدة الساحات القيام بكماشة مع حماس من غزة وحزب الله في الجليل الأعلى، لكن تخلى حزب الله عن اتفاقه مع حماس، فاعتبرت إسرائيل أن طوفان الأقصى ضربة مؤلمة هزت كيانها، مما فرض على الغرب دعم إسرائيل المفتوح بدون قيد أو شرط، حتى لا يتركها بمفردها في المواجهة متعددة الساحات، وإسرائيل بمنزلة جزء من أمريكا في المنطقة، وقامت إسرائيل بحركة استباقية باغتيالات في إيران منهم إسماعيل هنية، وقتل قادة إيرانيين في السِّفَارة السورية في دمشق لجر إيران إلى حرب إقليمية، وهي فرصتها من أجل اشتراك أمريكا معها في ضرب المفاعل النووي الإيراني.

لكن إيران لم تنجر إلى هذه الحرب، خصوصا وان الولايات المتحدة أرسلت عدد من حاملات الطائرات والبارجات إلى المنطقة، ورغم ما أصاب حزب الله لا يزال ملتزما بقواعد الاشتباك حتى لا تضطر إسرائيل إلى الدخول بقوات برية إلى لبنان، رغم أنه لا يزال متمسكا بأن القصف الذي يقوم به حتى يتم إعلان إيقاف الحرب في غزة، فهو لم يستخدم الصواريخ البالستية التي يمكن أن تصل إلى إيلات وصحراء النقب، وطور الحزب قدراته من الكاتيوشا القصيرة المدى إلى صواريخ فادي 1 و2 و3 المتوسطة التي يبلغ مداها عمق إسرائيل، لكنه حتى الآن استهدف فقط حيفا ولم يستهدف تل أبيب ولا مطار بن غوريون، وإذا ما توسعت الحرب فقد يستخدم حزب الله الصواريخ البالستية وضرب تل أبيب، خصوصا بعد وصول الغارات الإسرائيلية إلى صور في جنوب لبنان.

لكن ماذا تريد إسرائيل من حزب الله، فهي تود منه أمرين، أولا فصل الجبهة اللبنانية عن جبهة غزة، وثانيا تطبيق القرار الأممي 1701 الصادر عام 2006 على عدم وجود قوات غير شرعية جنوب خط الليطاني، لكن لم ينفذ حزب الله القرار من أجل الإبقاء على محور المقاومة النفوذ الإيراني، وكانت هناك مصالح تلتقي بين إيران والولايات المتحدة، وفي نفس الوقت يبقى لبنان تحت الهيمنة الإيرانية، لأن تطبيق حزب الله القرار الأممي 1701 يعني تسليم سلاحه للجيش اللبناني باعتبار انتهاء محور المقاومة.

لكن ماذا تستفيد إيران اليوم من عدم الانتصار لحزب الله، رغم طلب حسن نصر الله من إيران تطبيق وحدة الساحات، لكن الرئيس الإيراني الإصلاحي بزشكيان الذي يتواجد في نيويورك مشاركا في قمة المستقبل في الأمم المتحدة إصدار عدد من التصريحات أولها أن الولايات المتحدة دولة صديقة بعد أربعين عاما من اعتبار أمريكا الشيطان الأكبر، واعتبر الحرب بين إسرائيل وحزب الله غير متكافئة، وطالب الدول العربية والإسلامية الاجتماع من أجل القيام بواجبها في اتخاذ قرارات بشأن إيقاف هذه الحرب غير المتكافئة في لبنان، باعتبارها أزمة إنسانية، وكأنه يقصد إنقاذا لمحور المقاومة الذي تعارضه الدول العربية والإسلامية.

السعودية طالبت حزب الله بتسليم سلاحه للجيش الذي تسبب في مصادرة سيادة لبنان لصالح إيران، وعطل منصب الرئاسة، بل كان يفرض حزب الله على الشعب اللبناني أن يقروا بمعادلة شعب وجيش ومقاومة، أي التشريع للمقاومة التي هي مشروع إيراني، وتود إيران فتح ملف المفاوضات النووية، وإن كان الهدف من ذلك سياسي أن إيران غير راغبة في التصعيد، لأنها تدرك عمليا لا يمكن لأي مفاوضات أن تجري إلا بعد الانتخابات الأمريكية، أي أن إيران تفاوض بدماء الشعوب العربية، وتقاتل بهم، ولن تقاتل عنهم أو تحميهم فقط تقدم لهم الأسلحة والتدريب وبعض الأموال للتفاوض بهم مع الغرب لترسيخ نفوذها وتحقيق اتفاق نووي.

لكن ما هو دور أمريكا، فهي ترى أن حماس من اعتدت على إسرائيل، وكذلك حزب الله الذي هو البادي منذ 8 أكتوبر 2023 بإرسال صواريخه الذي هجر سكان شمال إسرائيل، فهي عمياء ومكبلة الأيدي في حرب إسرائيل على لبنان، بل إن المندوب الأمريكي في مجلس الأمن صرح أن على حزب الله أن يتوقف عن الضربات على إسرائيل، وهي سياسة حلزونية، والآن أمريكا تقود مفاوضات بين حزب الله وإسرائيل بالتعاون مع دول عربية وقد يقبل حتى السنوار إذا توقفت الحرب بين إسرائيل وحزب الله، كذلك طالب ماكرون من الرئيس الإيراني التدخل لوقف الصراع في نيويورك.

دور السعودية دائما ما تدعم المقاومة لكن تدعم المقاومة التي تكون في حساباتها الحفاظ على شعبها، فيما ارتمت حماس في أحضان إيران التي شجعتها على القيام بطوفان الأقصى في أكتوبر 2023 لوقف العلاقة بين السعودية وإسرائيل التي واصلت دورها وحققت جهودا دولية في موافقة اكثر من 124 دولة على إقامة دولة فلسطينية مستقلة، بجانب حصول السلطة الفلسطينية الشرعية على مقعد دائم في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعندما شعرت إسرائيل بفرض عضلاتها وطالبت السعودية بإقامة علاقة دون إقامة دولة فلسطينية كان الرد حاسما من السعودية بأن السعودية لا تقبل إقامة علاقة ما لم تقيم إسرائيل دولة فلسطينية مستقلة.

* أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية سابقا بجامعة أم القرى بمكة

      Dr_mahboob1@hotmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *