تحول استراتيجي في مسار الحرب الأوكرانية الروسية
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
قوات كييف نفذت عملية عسكرية جريئة داخل الأراضي الروسية في 6 أغسطس 2024 شكلت تحولا في مسار الحرب المستمرة منذ فبراير 2022، حيث انطلقت العملية في 6 أغسطس 2024 واخترقت الحدود الروسية في منطقة كورسك، هذا التوغل فاجأ أقرب حلفاء كييف الساعية لقلب ديناميكيات حرب بدا وكأنها تخسرها، مع تقدم القوات الروسية في الشرق.
لكن السؤال المهم جدًا، هل تنجح تلك القوات على الحفاظ على مكاسبها رغم ضآلتها لكنها شكلت مفاجأة للعالم ولروسيا بشكل خاص، والسؤال الآخر لماذا لم ترد روسيا على هذا التوغل بشكل سريع، وهل تود استدراج تلك القوات أكثر داخل الأراضي الروسية كما حدث للقوات الألمانية في الحرب العالمية الثانية في يوليو 1943 عندما شن الألمان هجوما كبيرا على كورسك بعدما تلقوا هزيمة في يناير وفبراير من نفس العام بعدما فشلوا في الاستيلاء على ليننجراد.
مثل هذا الهجوم الذي لم يكن بمنأى عن الموافقة الأمريكية بمثابة مجازفة كبيرة، خاصة وأن روسيا تسيطر على معظم خط المواجهة في أوكرانيا وحققت تقدما كبيرا في الشرق، وهل تنجح القوات الأوكرانية التي تمتلك أسلحة أمريكية متقدمة، مثل طائرات اف 15، وصواريخ ستورم شادو التي تزودها بها بريطانيا إلى جانب دبابات من طراز تشالنجر 2 البريطانية، وصواريخ SCAIP ذات الصلة الوثيقة بفرنسا، وصواريخ أمريكية ATACMS يصل مداها 300 كلم، وقد أعطيت كييف الضوء الأخضر لاستخدام الأسلحة الأميركية والأوربية لضرب النار داخل روسيا بالقرب من منطقة خاركيف فقط لاختبار الرد الروسي حسبما أفاد رافائيل خبير الأسلحة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية من أجل تقليص قدرة روسيا على استخدام أراضيها كملاذ للعمليات البرية.
وإذا تمكنت القوات الأوكرانية من الاحتفاظ بالأراضي، قد تتمكن من إرهاق قدرة القوات الروسية، وتوجيه إحراج كبير لبوتين، والحصول على ورقة مساومة لأي مفاوضات سلام، لكن إذا فشل الجيش الأوكراني في الاحتفاظ بالأراضي الروسية في كورسك فيتم إلقاء اللوم على القادة العسكريين الأوكرانيين لمنحهم الروس فرصة لكسب المزيد من الأراضي خاصة في منطقة دونيتسك، فيما أكدت أوكرانيا انها ستوقف هجماتها عبر الحدود إذا وافقت موسكو على سلام عادل، وفي نفس الوقت وجه الرئيس فلاديمير بوتين انتقادات حادة للغرب بشأن التوغل الأوكراني في الأراضي الروسية التي تمتد لمسافة 600 ميل في شرق وجنوب أوكراينا خصوصا وأن تحصينات روسيا في كورسك أقل كثافة من المناطق الأخرى كما في الجنوب هناك دفاعات هائلة، رغم ذلك يشكك الجميع في قدرة الأوكرانيين على الاحتفاظ بمكاسبهم، لكنها تكون قد خلقت تحولا في مسار تلك الحرب.
رغم التقدم الأوكراني في كورسك تتقدم روسيا في المقابل في دونيتسك وسيطرت على بلدة جديدة قريبة من أحد المحاور الرئيسية في شرق أوكرانيا، وأن القوات الأوكرانية خسرت قرابة 1120 عسكريا في معارك بإقليم دونباس، وسيطرت على بلدة إيفانوفكا في دونيتسك التي تعتبر مركزا لوجستيا في شرق أوكرانيا، وعلى جبهات القتال الأخرى في دونيتسك بدأت القوات الروسية باقتحام مدينة تورسك من جهة الشرق، كما بدأت باقتحام غروديفكا، ومؤخرا سيطرت القوات الروسية على بلدة نيموفيفكا، واقتحمت مدينة نيويورك جنوبي تروسك، واقتحمت بلدة زيلانا الواقعة إلى الغرب من مدينة دونيتسك عاصمة المقاطعة.
يأتي هذا فيما تواصل القوات الأوكرانية التقدم في مقاطعة كورسك بنحو 35 كلم منذ أن بدأت التوغل والسيطرة على مدينة سودجا في كورسك، والسيطرة على 82 منطقة سكنية فضلا عن منطقة بمساحة 1150 كلم مربعا، في حين تواصل روسيا إخلاء المناطق القريبة من القتال والمعارك إلى مناطق داخلية، وحشد تعزيزات للاستعادة السيطرة على قرية كروبيتس في كورسك، وأفاد وزير الدفاع الروسي أندريي بيلوسوف بتخصيص قوات لمنطقة بيلغورود المجاورة لكروسك وأفاد الجيش أنه استعاد السيطرة على قرية كروبيتس، فهل هذا التحول بداية النهاية لهذه الحرب أم أنها تزيد من إطالة أمد هذه الحرب؟.
* أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية سابقا بجامعة ام القرى
Dr_mahboob1@hotmail.com
نقلاً عن صحيفة «بيروت تايمز»