ألا ليت الشباب يعود يومًا
هذا بيت من قصيدة كتبها الشاعر العباسي الشهير «أبو العتاهية» قبل ما يقارب الألف عام. ولا يزال يُردّد حتى يومنا هذا. ومع أن هذه المقدمة عن أبو العتاهية ، إلا أنه وقصيدته ليسا محور مقال اليوم . لكنني استحضرت ذلك البيت من تلك القصيدة بعد أن بات يردّده كل من تقدم به العمر ، كما لو كان نشيد الاستسلام أمام جبروت السنين . فما أن يبدأ العد التنازلي لتقاعد الرجل ، إلا وقد وهن عظمه وخارت قواه منتظرًا يومه الموعود. مرددًا وبكل حسرة هذا البيت الذي يذكّره بشبابه وقوته وحبه للحياة، ومتجاهلا حقيقة أن ليس كل من مات هو طاعن في السن ولا كل من عاش هو من صغار العمر.
يا ترى ما الذي يمنعنا من الاستمتاع بحياتنا حتى آخر يوم في هذه الدنيا، ولماذا يعلن بعضنا الاستسلام والانزواء رغم أنه قادر على مشاركة من هم حوله ضحكاتهم وقفشاتهم وربما رحلاتهم البرية أو البحرية . فالأعمار بيد الله ، أما السنين فليست إلا مجرد أرقام ، وأن الفرح متاح لمن يريد الفرح بغض النظر عما إذا كان طاعناً في السن أو يافعاً في عز شبابه .
أمامنا شواهد كثيرة خاصة في الغرب، حيث أناس بلغوا العقد الثامن أو حتى التاسع يتجولون في المراكز التجارية، يتسوقون ويتفاعلون مع المناسبات السعيدة ، ويمارسون الرياضة ويتبادلون النكات، ويشاركون في المسابقات والأعمال الخيرية بكل همة ونشاط . فلماذا يحرم كبار السن أنفسهم من فسحة الحياة وجمالها !؟
استمتعوا بحياتكم فكل لحظة تعيشونها هي نعمة من الله. اتركوا عنكم ذكريات الشباب فليس كل ما فيها جميل وسعيد . علموا أبناءكم أن الحياة مراحل ، وأن لكل مرحلة من مراحل حياتهم عناصر للفرح والسعادة تتناسب مع المرحلة التي وصلوها . وأن السعادة- كما قلت – ليست مرتبطة بمرحلة الشباب ، بل باختيار الإنسان نفسه لما يسعده وما يناسب عمره .
اتركوا الداهية – أبو العتاهية – في قبره ، وانسوا بيته الشهير- ألا ليت الشباب – ، ورافقوا زوجاتكم دون تأخير إلى أقرب شاطئ أو مجمع أو مطعم . فالحياة تستحق منكم أن تفرحوا وتشاركوا من تحبون في أفراحكم ولحظات سعادتكم . توكلوا على الله . ولكم تحياتي
بالمناسبة .. هذا المقال كتبته في شهر نوفمبر من عام 2018 ، أي قبل خمس سنوات ، ورأيت نشره من جديد فلعل ما فيه يفيد .