احترقت القيصرية
ليلة من الليالي الجميلة التي قضيتها في الأحساء “مسقط رأسي” بين ليالي القيصرية ومهرجان التمور والشوارع الفسيحة الجميلة والأزقة التاريخية التي لا زالت تزين مدن هذه المحافظة والتي تشتم فيها رائحة الطين من مبانيها ، والطيبة في أهلها ، والطبينه من رائحة حرق مخلفات النخيل التي يعشقها أهل الأحساء أكثر من عشقهم للعطور الباريسية الشهيرة .
” القيصرية ” تحمل تاريخاً أثبته المؤرخون ولا ينساه أهل الأحساء الطيبون ، فالرأي السائد هو أن سوق القيصرية تأسس عام 1822 ، إلا أن الوثائق التاريخية وبعض المؤرخين وكثير من أهل الأحساء يؤكدون أنه بني قبل 600 سنة . والمؤكد أن سوق القيصرية يعتبر أقدم سوق شهدته الجزيرة العربية
.
جلس الحاضرون على مدرجات نصبت أمام مسرح جميل وكبير وفي أجواء أقرب للربيعية منها للشتوية ، يتابعون فيلم تم أعداده بعناية ، يشرح كيف أحترقت القيصرية في عام 2001 . وكيف تهافت الناس من كل صوب لمساندة رجال الدفاع المدني لإخماد الحريق ، لكن كل الجهود لم تفلح في إيقافه . كانت مشاهد الممثلين وهم يضربون أخماس بأسداس على تاريخ لطالما تغنوا به عبر التاريخ .
أما الجزء التالي من الفلم فكانت لجهود إعادة بناء القيصرية بسرعة كبيرة وبنفس تفاصيلة القديمة وممراته الضيقة ومساحة محلاته الصغيرة والتي لا يتجاوز معظمها 2×3 مترا.
فرح كبير شهدته على وجوه الكبار والصغار ، فهناك ساحة تجمع فيها الأطفال للألعاب الشعبية التي كان أهل الأحساء القدماء يمارسونها ، وهناك نموذج لتدريس الأطفال ، وفي جزء آخر هناك طرب لعازف العود ، وفرقة شعبية أجادت في تقديم ألوانها الشعبية.
لقد أحسنت أمانة محافظة الأحساء وعلى رأسها الصديق العزيز م عصام الملا أمين الأحساء ، عندما قررت إغلاق الشارع أمام السيارات وخصصته فقط للمشاة والمتسوقين .
كل شيء كان جميلا ، ولم يعكره إلا شيئاً واحدً . فقد أحزنني في القيصرية وجود بائعين في معظم المحلات من غير السعوديين وبالأخص من أهل الأحساء . فعبق التاريخ لا يحافظ عليه بمباني الطين والأبواب العتيقة فحسب ، بل بالنفس المحلي والروح الحساوية . فكما نفرح عندما نشاهد البائعون في أسواق القصيم والجنوب أو الشمال والقطيف هم من أهلها . نريد أن نفرح بوجود البائعين الحساوية في أهم وأقدم وأعرق الأسواق التاريخية .
كنت أتمنى الحديث عن مهرجان التمور ، لكن ذلك يحتاج لمقال آخر ، فما شاهدته هناك كان أكبر مما توقعت . ولكم تحياتي