هل سيصبح السعوديون أقلية في المملكة؟
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
الأرقام المليونية للعمالة الأجنبية في المملكة تدل على أنها في تصاعد مستمر يتضاعف كل عدة سنوات، حتى أصبحت تلك الأرقام مخيفة جداً. ثمان جنسيات حسب الإحصائيات المعلنة، تمثل 85% من إجمالي عدد المقيمين في البلاد، وإذا أضفنا إليهم مخالفي نظام الإقامة والعمل يصبح مجرد التفكير في تلك الأعداد مزعجا جدا.
تتصدر الهند العدد بمليون وسبعمئة وستين ألف وافد! ثم تليها الباكستان بمليون وثلاثمئة وعشرين ألف وافد، تأتي بنجلاديش ثالثا بمليون وثلاثمئة وعشرة آلاف وافد، ثم مصر بمليون وثلاثمئة ألف وافد، ومن ثم الفلبين بمليون وثلاثين ألف وافد. اليمن أربعمئة وستون ألفا، تليها إندونيسيا بثلاثمئة وثمانين ألفا، تليها السودان بمئتين وثلاثين ألف مقيم، ثم الأردن بمئة وسبعين ألفا، ومئة وخمسون ألف سريلانكي، والسوريون بلغ تعداد مقيميهم مئة وأربعين ألفا، كما أن هناك مئة وعشرين ألف فلسطيني، ومئة ألف تركي، وستين ألف لبناني، ومثلهم ستون ألفا آخرين من أريتيريا، وهناك عشرات الآلاف من الإثيوبيين والمغاربة وعشرات الآلاف الأخرى من النيجر وتشاد وتونس.. إلخ.
أتحدث هنا عن عام ٢٠١٣. هذه الأرقام المليونية المرعبة التي تجاوزت العشرة ملايين في بلد لا يتجاوز عدد مواطنيه العشرين مليونا في أحسن الحالات نذير خطر، وينبغي أن يُدق ناقوس الخطر. لا أعرف بلادا في الدنيا يصل عدد الأجانب فيها إلى أكثر من نصف عدد السكان غير دول الخليج حسب علمي، وقد طفت كثيرا من دول العالم. السؤال الذي يتبادر إلى ذهني بعد تلك الأرقام المفجعة: هل نحن بحاجة حقيقية لتلك الملايين من البشر؟ وماذا يفعلون في بلادي! سأنحي العواطف جانبا وأتحدث بلغة الأرقام والاقتصاد والعقل والمنطق والحس الأمني والوطني.
من البداهة أن نقول إن الشعب السعودي محب لكل البشر من كل الجنسيات والأديان والأعراق، وخاصة أشقائنا العرب وإخواننا المسلمين، لكن الحالة هنا تستدعي التأمل والتفكير العميق. الأسباب التي أوصلتنا لتلك الأرقام الكارثية كثيرة جدا ومن الصعب حصرها، وليس أقلها التستر والجشع من بعض تجار التأشيرات الذين لا يهتمون كثيرا بأمن الوطن ولا بالاقتصاد المسلوب الذي استولت عليه كثير من تلك الجاليات وسيطرت على السوق المحلي بطريقة لا تخفى على أحد. المصيبة أن تلك الأرقام الكارثية لا تشمل المتخلفين الذين يأتون عن طريق الحج والعمرة ثم يقيمون في البلاد إقامة غير شريعة أو الذين يأتون عبر التهريب من دول الجوار وخاصة اليمن، ثم تتضاعف أرقامهم بشكل دراماتيكي وخيالي خلال سنوات قليلة. كثير من أولئك الملايين عبارة عن قنابل موقوتة من الممكن أن تنفجر في أية لحظة لأسباب عديدة لا مجال لذكرها لضيق مساحة المقال، ومن الممكن استخدامها حتى من المنظمات الإرهابية استغلالاً لظروف معينة يمر بها بعض أولئك. التحويلات الشهرية للنظاميين فقط من تلك العمالة المقنعة تصل لعشرات المليارات من الدولارات، وهذا إهدار واستنزاف للاقتصاد الوطني، فضلا عن احتكار السوق المحلية بأيديهم ولا يجادل في ذلك إلا جاهل أو معاند.
من الناحية الأمنية يكفينا ذلك التقرير الذي نشر العام الماضي في صحيفة الشرق وخلص إلى أن نسبة ٧٠٪ من الجرائم الكبرى كالقتل والاغتصاب والسطو والسرقة قام بها غير السعوديين، بينما السعوديون فقط ٣٠٪، فماذا بعد هذا من دليل على الخطر الأمني. الخطر الاجتماعي حدث ولا حرج ولا نحتاج أن نغوص كثيرا في هذا الجانب، فآثآره عمت وطمت، وبدأ يؤثر كثيرا في انحراف السلوك والعادات والتقاليد.
فكل صباح تطالعنا الصحف بأخبار الحملات وترحيل المخالفين وتصريحات المسؤولين التخديرية بتوطين العمالة ولكن على أرض الواقع الأمر يختلف، فالأعداد تزيد ولا تنقص حتى وصل المواطن إلى مرحلة أصبح يضيق ذرعا مما يحدث. تستفزني بعض الكتابات التي لم تكتف بتلك الكوارث، بل وصل بهم الحد إلى المطالبة بامتيازات تعطى لمن ولدوا في السعودية في وقت تلغي فيه دول عظمى كبريطانيا تلك الميزات، وكأنهم بذلك يريدون تشجيع استيطان أولئك الوافدين عربا وعجما أو من تزوج بسعودية، وغالبا من أجل أن يفتح باسمها مشروعا أو مؤسسة وهمية ليصبح زوج مواطنة أو ابن مواطنة، بدلا من استشعار الخطر والمطالبة بترحيل من أمضى أكثر من خمس سنوات كحد أقصى، استفدنا منه في تقديم العمل واستفاد من الوطن بتلك الأموال التي جمعها نظير عمله على افتراض أنه مقيم إقامة نظامية وفي تخصص نادر تحتاجه البلاد والعباد.
الوطن أمانة أيها المنتفعون المتاجرون بوطنكم، أحشفاً وسوء كيلة؟ الوطن أمانة أيها البعض الذي انعدمت فيه مشاعر الوطنية، ما لكم كيف تحكمون؟ حين أقرأ مثل تلك الأطروحات في الصحف ولبعض الكتاب أو المحسوبين على المشهد الإعلامي أو الثقافي تتبادر إلى ذهني علامات تعجب كثيرة وتساؤلات لا تنتهي، خاصة أن البعض منهم سعودي للأسف ويحمل مثلنا هوية الوطن في جيبه، لكن هل يحمل هوية الوطن في قلبه أيضا؟ لا أعتقد ذلك، بكل صراحة وشفافية وصدق ومحبة لكل الوافدين من شتى أنحاء العالم. الوطن أمانة يا من تريدون على أحسن الظنون تحويله لجمعية خيرية عالمية. أيها العقلاء أيها الوطنيون ومن بيدهم اتخاذ القرار؛ إن الكوارث تطل برؤسها فينبغي أن تبدأ خطة إنقاذ وطنية لحماية الوطن قبل أن نصبح أقلية في بلادنا. لا ينبغي أن يبقى إلا من نحتاج إليه حاجة حقيقية ملحة، على ألا يقيم وافد واحد أكثر من خمس سنوات عمل ليأتي غيره إن كنا بحاجة فعلية.
الوطن أمانة فهل وصلت الرسالة؟ أتمنى ذلك وكل عام والوطن بخير وأعياد مستمرة.
دحام العنزي
نقلا عن “الوطن”
بيض الله وجهك يادحام وكثر الله من أمثالك
لقد أسمعت لو ناديت حيـا ولكن لا حياة لمـن تنـادي