التعليم عن بُعد.. الفهم الخاطئ عند وزارة التعليم!
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
حلّ أوائل الفصل الثاني من العام الدراسي الماضي- وباء “كورونا” الذي أثر بشكل واضح على عدد من مناشط الحياة الحديثة خصوصًا القائمة على الانتاج. ومن هذه المناشط الهامة التعليم، فقد وجدت وزارات التعليم (التربية والتعليم عند البعض) أن الحل الأمثل استنادًا إلى توصيات المختصين “الأطباء” إيقاف الدراسة بالأسلوب الاعتيادي المعروف واستبداله بنظام حديث انتشر بشكل واضح في العقود الثلاثة الماضية وهو نظام: عُرف باسم “التعليم عن بعد”.
ولا شك أن لهذا النظام الجديد فوائد وإيجابيات لا تخفى على أحد، فهو صالح، لعدد من المناشط، منها:
– التعليم بشقيه العام والجامعي (عند الحاجة).
– إقامة الدورات والمناشط الثقافية الأخرى، مثل: ورش العمل، والمحاضرات العامة والخاصة، والاجتماعات الاعتيادية…. إلخ.
والحق ان لا ضرر في استخدامه لتعليم في حالات الضرورة والحاجة إلى ذلك- شريطة أن لا يحل مع الوقت محل التعليم الحالي الذي يعتمد بقوة على “التفاعل”، وهو ما يصعب توفره في التعليم عن بعد، ويتناقض بالكلية مع مفاهيم التربية والتعليم، فمن أخطر نتائج التعليم الإلكتروني فقدانه إلى التفاعل والاحتكاك الجسدي المباشر والاتصالات البصرية والحركية المباشرة.
ومع أن التعليم التفاعلي حقيقة ثابتة، بل مؤكدة من تجارب الأمم قديمها وحديثها، إلا أن قادة التعليم خصوصًا في عالمنا العربي، لعدم خبرة بعضهم ولبعد البعض الآخر عن التخصص التربوي، وهو الشرط الأساس لتقلد العمل في الوزارة التي تهمين على التعليم وتديره، قد أثنوا كثيرًا في تصريحاتهم، على التعليم عن بعد معتمدين على تقارير غير واقعية، وهادفين إلى التوفير المالي “الأسطوانة التي أزعجنا بها القيادي العربي”. وقد غاب عن هؤلاء وغيرهم من مراكز الأبحاث التي ناقشت هذا النمط الجديد المشاكل الجمة التي يواجهها الأساتذة في التعليم “العام والجامعي”، والغريب أن أحد المراكز البحثية ناقش هذا التعليم الجديد مستضيفًا باحثًا “عيونه زرقاء” ينطلق في تفسيراته من خلال تجربة بلاده، مع أن الأجدر: دعوة عاملين في الحقل من التعليمين العام والجامعي من ذوي “العيون السود” لشرح تجربتهم بكل شفافية، والخروج بنتائج واقعية عوضًا عن عرض تجارب لا علاقة لها بالوطن العربي. أقول غاب عنهم إما تعمدًا أو جهلًا، الآتي:
1- ضعف “البنية التحتية”، عصب التعليم/ النت، وهي من أهم أساسيات هذا التعليم؛ فالنت في بلادنا العربية “كلها” لا ترقى لخدمة المتلقي أو المستخدم إلا في مشاهدة مقاطع فيديو أو إرسال رسائل نصية، فقد عانى من خلال تجربتي في التعليم- الطلاب من ضعف النت أو أحيانًا عدم توفرها كليًا في بعض المناطق، ولم تكن هذه المعاناة فقط في المحافظات النائية، بل حتى العواصم.
2- الإمكانيات المادية المتواضعة عند 50% من أبناء الوطن العربي (تتفاوت النسبة من بلد إلى اخر) فإمكانياتهم لا تسمح لهم بإقتناء أجهزة حاسب جيدة أو بأعداد كافية إذا كان لدى العائلة 3 طلاب فهو يحتاج إلى ما لا يقل عن 8 آلاف ريال، والواضح ان الحياة في وطننا العربي لم تعد كما كانت سهلة وسلسة وميسرة بل تحتاج إلى تخطيط مسبق، وهو أمر لم تقم الحكومات بتجهيز المواطن العربي عليه.
3- ضعف المحتوى العربي في الشبكة العنكبوتية، بل أحيانًا كثيرة يتضمن هذا المحتوى أخطاء علمية واضحة.
4- عدم تأهيل الأستاذ/ المدرس أو الطالب على الاستخدام الأمثل لهذه التقنية بالشكل الذي يسمح في استخدامها بشكل صحيح ومناسب.
وقد ألمني كثيرًا كمتخصص في العلوم الإنسانية عدم فهم القائمين على التعليم في وزارة التعليم وجامعة الملك سعود في حيثيات قرار استمرار التعليم عن بعد، وهو ما يعكس عدم فهمهم الصحيح لتعليم الذي يشمل إضافة إلى التفاعل: التربية والسلوك والتعلم.. إلخ، ففي الخطاب الذي انتشر بين منسوبي الجامعة، وكذلك كلمة الوزير الذي شُرف بأن يكون على رأس هرم التعليم قولهم بتصرف “تكون مواد العلوم الإنسانية (النظرية) عن بعد… والمواد العملية ينظر في أمرها من قبل الأقسام”.
ولماذا أدهشني، بل ألمني هذا القول لأنه بكل بساطة يعكس عدم اطلاع من هؤلاء (مع الأسف هم القائمين على التعليم) بالعلوم التي اسموها بالنظرية: وليس دفاعًا عن هذه العلم “النظري” بل احقاقًا للحق أجد عليّ التوضيح إلى أن جل هذه العلوم ليست كما يتصورها هؤلاء (القائمون على الجامعة أوالذي اعد كلمة الوزير)، فعلى سبيل المثال علم الجغرافيا الذي ارتبط بسبب الجهل بالحدود الجغرافية والتضاريس الطبيعية، فهو ليس كذلك، فكبار المخططين للمدن في العالم جلهم تخرجوا وعملوا ويعملون في أقسام الجغرافيا، وهناك الجغرافيا الطبية وجغرافيا النقل….. إلخ.
ولو ان أحد هؤلاء أطلع على أبحاث الزملاء من قسم الجغرافيا، مثل: يحيى أبو الخير أو رشود الخريف أو عبدالله الوليعي أو غيرهم دون أن يعلم أنهم من قسم الجغرافيا لتوقع أن هذه الدراسات أعدت من متخصصين من أقسام: الفلك والإحصاء والزراعة. ناهيك عن دراسات أقسام العلوم الأخرى، مثل: التاريخ أو الاجتماع، فتتعدد الأساليب والمناهج التي يستخدمها الباحثون في هذين العلمين. بل أوكد ان دراسات كلية العلوم الرياضية وأبحاثها أو أقسام التربية النفسية توازي إلى حد كبير تلك الأبحاث التي يقوم بها الباحثون في التخصصات الصحية (الطب والعلوم الطبية). وأشير إلى حادثة شهدتها بنفسي، فقد عُرض على جهة علمية في الجامعة بحثين: الأول بعنوان “رضى المراجعين على استقبال مستشفى الملك فيصل”، والثاني “احتكاك الركبة في التمارين”؛ قد تقول أخي العزيز ان الأول من كلية الآداب قسم الاجتماع، والثاني من كلية الطب، لا والله……. فلأول من كلية الطب والثاني من قسم التربية الرياضية بكلية التربية.
ناهيك عن العلوم المتعددة في تخصص الآثار، والتي يتعلم فيها الطالب كل ما يمت للحياة، مثل: “الانثروبولوجيا بشقيها: الطبيعي والاجتماعي، والمساحة، والتصوير، والرفع المساحي، والعمارة، والترميم، واللغات والفنون…. إلخ.
ولو أطلع أحد هؤلاء على تقرير حفرية أثرية، فلن يتبادر إلى ذهنه أن هذا التقرير أعد من متخصص في علم الآثار. وأشير هنا فقط إلى دراسة الزميلين: “إبراهيم مشبي” و”سلطان الدهام” الأولي تضمنت دراسة عن عمارة المقابر إضافة إلى الهياكل العظمية التي يتطلب التنقيب عنها الوقوف لساعات طويلة كأنك في غرفة عمليات، والثانية عن العملات النبطية وتحديدًا نوعية المعادن ونسبتها في كل عملة، إضافة إلى بعض دراسات أخينا الأستاذ الدكتور عبدالناصر الزهراني أستاذ ترميم المعثورات التي يطغو عليها البعد الكيميائي، بل هناك أبحاث عن الأمراض، والزراعة وغيرها من العلوم التطبيقية التي نتناولها في تقاريرنا حتى أن بعض دراساتنا تتناول الأمراض ومسبباتها وأدويتها.
كان لابد لي من الإشارة إلى هذا الفهم الخاطئ عند قادة التعليم في وزارة التعليم في بلداننا العربية الغالية الذين تصوروا –بغير وجه حق- أن العلوم النظرية لا تحتاج إلى فهم وتفكير ودراسة أو جوانب عملية، وكم أتمنى ان يزور هؤلاء كلية الآثار والانثربولوجيا في جامعة اليرموك ليشاهدوا الكم من المعامل والمختبرات (الرسم المساحي، الرفع المساحي، المعادن، الفنون، ترميم المباني الطينية والمباني الحجرية، المنسوجات….إلخ) لتصوروا أنهم في كليات الطب والزراعة والعلوم وليس في قسم الآثار.
وأظن صادقًا أن العلوم الإنسانية (النظرية) تحتاج إلى اعتذار واضح من معالي وزير التعليم ومن معد كتاب حيثيات الجامعة (الملك سعود) فاحترام التخصصات وفهم مكنوناتها وأسرارها شرط أساس لتقلد المناصب العليا في الجامعة.
لذلك أقول ان الحاجة ماسة من الوزارة إلى إعادة النظر في التعليم عن بعد، فمن المهم أن لا تنجرف خلف توصيات أطباء لا هم لهم إلا نقل ما يتلقفونه من وسائل الإعلام الغربية، وعليها أي وزارة التعليم أن لا تتخلى بسهولة عن أساس وجودها وهو: “تربية الأجيال وتعليمهم” التي لا يمكن ان تتحقق حسب النظريات التربوية إلا بالتعليم المباشر المتفاعل؛ ومن المؤسف ان بعض المدرسين وأعضاء هيئة التدريس يفضلون استمرار التعليم عن بعد، ليس لخطورة الوباء فجلهم لا يتبع الإجراءات التي تنصح بها الوزارة ولكن مع الأسف – لأسباب شخصية تضر بهذه المهنة الشريفة.
والاقتراح الذي أتمنى أن تدرسه وزارة التعليم، هو:
تقسيم طلاب الفصل الواحد وعددهم (40) طالبًا إلى مجموعتين كل مجموعة تحضر إلى المدرسة مدة ثلاثة أيام ولـِ (3-4) ساعات يوميًا فقط، المجموعة الأولى: السبت، الاثنين والأربعاء؛ والثانية: الأحد والثلاثاء والخميس مع الإكتفاء بمواد (القراءة والكتابة والحساب). أما بقية المواد فإما تكون عن بعد أو لا داع لها خصوصًا في المرحلة الإبتدائية.
فالأزمة التي يمر بها العالم ومنها بلداننا العربية تحتاج إلى تضحيات، واستمرار التدريس عن بعد لا أظنه سيؤدي إلا إلى مزيد من ضعف مستوى التعليم وبالتالي مستقبل البلد. ومستقبل البلد أمانة ومسئولية على عاتقنا جميعًا.
أتفق تماما مع ما تفضل به الزميل الفاضل سعادة الأستاذ الدكتور سليمان الذييب، في مقاله الوطني الذي أحسبه صادقا في كل كلمة، وأشكره أن يعبر عما تكونه صدور الناشدين مصلحة وطنهم.
شكرا دكتور.
صح لسانك والله كلام في الصميم من شخص فاهم ومتمكن فعلا كل حرف وكل كلمه في محلها يجب تكليف أطر في نفس المجال وبعيدة الرؤى والنظريات كشخصكم الكريم فقد اهلكتناهذه التعقيدات والمساطر وتسبب لقرار في مشاكل اسريه وعائليه وماليه كتيره ناهيك عن صعوبة الاجراءات للتسجيل وتعليق المواقع وسوء تصميم المنصات وشكرا
اخيرا تكلم العقلاء ……
لله درك يا استاذ والله العلي العظيم أنك أشفيت غليلي بهذا المقال نعم انهُ النت سبب المشاكل ان صلح النت صلح تعليمك …..كم عانيته منه ….لين كنسلته من منزلي….مقال جداً في الصميم.
أحسنت
مقال في غاية الروعة وفي نظري لحل معضلة ضعف النت يجب التفكير والعمل الجاد وبمشاركة ثنائية من السعودية والأمارات لإطلاق قمر صناعي يسمى ستالايت التعليم ويعطى لكل طالب كود خاص ليرتبط بالنت بهذا القمر الصناعي وتحل مشكلة ضعف النت كليًا ، وقد يشترك آخرون بهذه الخدمة وتترك شركات الإتصالات وابراجها ، كما يتم معالجة النواحي الأمنية للقمر وبثه حتى لا يستغل من ضعاف النفوس .
جزاك الله خير ع هذاالكلام المنطقي والواقعي
فأنا ولي امر لطالبين ابتدائيه واحد اولى ابتدائي والثاني ثالث ابتدائي واجد صعوبه بالغه مع ابنائي
مؤيدا لكم يادكتور
التعليم عن بعد:
١. بنية تقنية عالية الجودة
٢. تأهيل وتدريب
٣. مسؤولية التعليم والتعلم
٤. تقويم محكي المرجع يستند على الاداءات.
كلها لدينا نواقص فيها واضحة.
اختلف في
أن الرأي للأطباء
فالجائحة عالمية ووفياتها شاهد
سواء قال الأطباء أم لم يقولوا.
العفو )))تملص
لا أحسب هذا الكلام إلا تملس من مسؤولية الأبناء للقيام بعملية التعلم ..ولو قام كل ركن بدوره من مسؤولية وهم الأبناء ووالديهم ومعلميهم لتجاوزنا هذه الأزمة .
بدلا من الزج بهم في كوارث العدوى والأمراض والتملس نقترح اقتراحات ناقصة .
للأسف دائما المعلم/ة يتم إقصاؤهم من تطوير
التعليم أو أخذ آراؤهم أو اقتراحاتهم أو نصائحهم أو مرئياتهم أو توجيهاتهم حيال ذلك ناسين أو متناسين أن صاحب الميدان التربوي وخط الأمام يرى أكثر ممن هو خلف الجدران والأبواب.
كلام صحيح
التعليم عن بعد لافائدة منه خصوصا الابتدائي والمعاناة مع شبكة النت من ناحية الضعف والانقطاع
مقال رائع. قدم نظرة متعمقةتعطي نظرة شمولية لكل حقول المعرفة والعلوم، وحريصة على أجيال المشتقبل.
مقال اكتسى شموليه نظر وتحليل متزن ، تحاوطتها خبرة وممارسة. شكرا