الرأي
جاري التحميل!
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
منذ أن بدأت رؤية 2030 المباركة، والتي أحدثت نقلة نوعية في العمل المؤسسي في القطاعين الحكومي والخاص في نواح عدة، أبرزها تمكين وإعطاء فئتين في المجتمع “الشباب والمرأة” دورا كبيرا في التنمية ؛ وعليه لم يتوقف العمل على تمكينهم في جميع الوظائف العادية والقيادية، بل صارت الوزارت والهيئات تتسابق دعائيا وإعلاميا في الظفر بقصب السبق في هذا المجال – مجال التمكين – بصرف النظر عن تحقيق الرسالة والأهداف !! وبنظرة سريعة ستجد الشباب “نساء ورجالا” يشغلون نسبة كبيرة من وظائف الهيئات الحكومية و شبه الحكومية، وأقصد هنا بالشباب من هم ما بين سن 25 إلى 40 عاما، وما فوق هذا العمر من سن الشباب من سن 45 حتى 65 – حسب تصنيف منظمة الصحة العالمية لسن الشباب – فمنهم من تقاعد ومنهم من ينتظر، وهناك فئة لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ليسوا من الشباب فينصبون ولا من الشيبان فيتركون كانوا في السابق يؤسسون أنفسهم ويبنون خبراتهم ويرفعون مؤهلاتهم حتى إذا ماجاء دورهم فإذا بها طارت بها الطيور.
وبعد أعوام مرت منذ بدء تمكين هؤلاء الشباب، لا زال بعض الشيبان (وهم كل من تعدى سن الأربعين) – من الكفاءات أصحاب الخبرة والدراية والذين يُعدون امتدادا للعمل يعرفون ماكان قبلا – يحتلون المركز الأول في مبررات فشل الشباب وعدم قدرة بعضهم على النجاح ، بل إن الشيبان هم سبب تعطيل النهضة وعدم تحقيق أهداف الرؤية ، وهم سبب تعطيل توظيف بقية الشباب ، أي أن الإسطوانة القديمة لاتزال مبررا قويا لمواجهة أي تحد أو عائق يواجه الشباب ، وعموما إن لم يكن الشيبان هم السبب فهي الواسطة إذا!
كنت أتحمس مع تلك المقولات إلى أن توقفت للتأمل، إذ لاحظت أن من يشغل وظائف الوزارات والهيئات ومن يشغل وظائف (هدف) و(منشآت) ومن يقود الأعمال الناشئة والمتوسطة وأعمال التطبيقات في 2020 جلهم من (الشباب)، نعم شباب متعلمين منهم خريجي جامعات الابتعاث ومنهم خريجي جامعات محلية يتقلدون مناصب تنفيذية واستشارية، يتحدثون الإنجليزية بطلاقة ، ولديهم خلفية معرفية جيدة بالاستراتيجيات و مؤشرات الأداء، ومطلعون على نسبة البطالة بين أقرانهم من الشباب، لدرجة أنهم يعلمون أن المادة (77) قد تسببت في فصل بعض أقرانهم في القطاع الخاص من وظائفهم.
ماذا فعلت القيادات الشابة للتغلب على كل تلك التحديات، مثل : العمل على مبادرات لتخفيض نسبة البطالة ، وتأهيل الشباب لسوق العمل، ورفع مقترح لتغيير المادة (77)، وغيرها كثير مما يعلمون انه عائق أمام أقرانهم في التوظيف، إن كل ما تقدم هي أسئلة مشروعة من أولئك الأقران وينتظرون الإجابة عليها من الشباب الذين تم تمكينهم، وهي توضيح للجميع ممن يعتقد أن الشيبان هم سبب ما هم فيه من بطالة أو أن الواسطة هي الحلّ.
ولننتقل إلى الأداء المؤسسي للشباب في القطاعات التي يعملون فيها وهل فعلا هناك اختلاف، ولعل أقرب مثال يحضرني هو : المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة “أداء” – الذي تأسس عام 2016- وهذا بمناسبة تغير مجلس إدارته و تعيين مدير عام جديد للمركز (شاب)خلفا لمدير شاب ، والذي هو أيضا كان خلفا لمدير شاب آخر ، هذا المركز الفتي يبلغ من العمر أربع سنوات تعاقب على إدارته 3 مدراء شباب ، ليديروا موظفين شباب في غالبيتهم، بدأ المركز من الصفر وثابروا إلى أن كافأهم الله بمبنى رائع مجهز وفق أعلى معايير بيئة العمل المتميزة، وطيلة هذه السنوات الأربع عاني المركز من تسرب بعض موظفيه الشباب منه خاصة بعد حصولهم على دورة “خبير مؤشرات الأداء” من معهد مشهور جدا مختص في مؤشرات الأداء، خلال الأربع سنوات قام المركز بتقييم أداء القطاعات الحكومية من حيث جاهزيتها لتحقيق الرؤية، خلال الأربع سنوات انتج مركز أداء تطبيق “وطني” لقياس تجربة المستفيد من الخدمات الحكومية بهدف تحسينها ، ولم أر نتائج واضحة خرج بها هذا التطبيق سواء على مستوى نشر البيانات أو تحسين فعلي في بعض القطاعات التي كانت جاهزيتها تحت الصفر ، خلال الأربع سنوات في ذلك المبنى بالغ الفخامة لم تكن الوجوه الشابة جميعها سعودية خالصة ، بل خالطها وجوه من دول أخرى لم تكن تحلم يوما بهذا المكان فضلا عن كونها تتقلد مناصب لتقديم استشارات ومتابعة عمل المركز ، ولك أن تتخيل أن من يقدم الاستشارات قدم من خلفية تعليمية عادية جدا – بل أقل بكثير مما منَّ الله به علينا – و خبرات اكتسبها من خلال عمله في مركز أداء ، وتدربه في مركز أداء على التدريب ، حيث درب شباب مركز أداء عملا بمقولة “جبتك يا مستشار تعين لقيتك تحتاج عون”.
وتعلم برؤوس شبابنا!!
إن أبرز ملامح العمل المؤسسي في مركز “أداء من وجهة نظري المتواضعة جدا جدا جدا” لم تخل مما وقع فيه سابقيهم ممن ينتقدون ويُحملون مسؤولية التأخر وهم الشيبان طبعا ، حيث كانت تكلفة التشغيل عالية جدا ، وهذا يتضح من البذخ في المبنى والأثاث والرفاه وبيئة عمل لا يحلم فيها جهابذة “قوقل”، إلى جانب الهدر المالي والبشري ، وهذا بسبب تأهيل الموظفين ودفع مبلغ وقدره مقابل دورة “خبير مؤشرات الأداء” – دون حفظ حق المركز في هذه الكوادر ، فبعدها يستقيل هذا الشاب ليبحث عن فرصة أفضل للعمل “كمستشار مؤشرات أداء” لدى جهات اخرى حكومية وغيرها مستفيدا من مروره الكريم في مركز أداء والتأهيل المجاني الذي حصل عليه، حتى ولو لم يكن كفؤا ، فكما يقال: “الصيت ولا الغنى” ، وعندما تصفحت موقعهم المليء بالأدلة الارشادية والتنظيمية وجدت أن المركز لا يوفر منهجية الشفافية في نشر البيانات ولم يقدم هذه الخدمة أو يجعلها بيانات مفتوحة على موقعه الإلكتروني أسوة بالمراكز المماثلة حول العالم.
ماذا بعد؟
هل الشباب فعلا هم الحل وهل فعلا هم الخلطة السحرية لحل جميع المشكلات المؤسسية؟ الإجابة بالطبع لا!
فبعض هذه القيادات من الشباب وقعوا في خلل كبير بإحداث فجوة في المؤسسات التي يعملون فيها عندما استبعدوا وهمشوا كل أصحاب الخبرة الذين بين أيديهم، والذين يُعدون امتدادا للعمل وتواصلا فيه يربط البناء ويظهر أصل المشكلات للوصول إلى حل لها ، لكنهم همشوهم وحملوهم عبء كل خلل سابق ، بل وربما حرصوا على دفعهم للنقل أو الإعارة أو حتى التقاعد المبكر ، وهم في المقابل – كشباب – لايملكون من الخبرة رصيدا كافيا لتسيير العمل وفق المراد ، ولعل بعضهم عند ذلك ذهب ليستعين بخبرات أجنبية من متقاعدي دول أخرى – لاتصل لربع مستوى وطننا الغالي – للاستعانة بهم ، فهم أقرب إلى نفسه وأكثر سترا من شيبانه، ثم بعد ذلك تُغطى العيوب بدعايات إعلامية.
ختاما..
العمل المؤسسي المنتظم المستدام الذي يضمن تمكين الكفاءات وينوع في تلك الكفاءات ويقدم لها ما يزيد ولاءها للمنظمة ويمنع تسربها هو الحل الناجع، ولنا في قيادتنا الدرس والحكمة فما تمكين صاحب السمو الملكي ولي العهد الشاب محمد بن سلمان -حفظه الله – ودعمه من والد الجميع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – أيده الله – إلا دلالة على الثقة في الشباب الذين لا يستغنون عن حكمة كبارهم ومباركتهم، أن تكون شابا فأنت مغبوط ، وأن تستثمر شبابك في تنمية نفسك وتطوير منظمتك وتحسينها فأنت شاب فاعل.
أما أن تقودها نحو التميز ، وتصنع الفرص لك ولغيرك ، وتحترم الخبرة لدى كبارنا وتستفيد منها وتستعين بها ، فأنت قائد متميز .