الرأي
وباء في رمضان.. تجربة تحتاج إلى وقفة
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
جاء الشهر الفضيل في عامه “1441هـ” وسط جائحة لم نشهدها في العصر الحديث، إذ لا أذكر شخصيًا أن هذا الشهر الفضيل حل علينا وسط وباء انتشر في مختلف بقاع الأرض. وما مرت به المجتمعات الإسلامية في هذا الشهر مع الجائحة، هي تجربة تحتاج إلى وقفة ولو قصيرة.فاتخذت الحكومات الإسلامية سعيًا منها إلى عدم تفشي هذا المرض وإيقاف انتشاره؛ إجراءات قاسية، منها: إقفال المساجد كليًا، مع أنه من القرارات القاسية التي لم تجد الاستحسان من الناس. لكن هذا المنع الذي كان جزءا من الحظر الشامل، الكلي في بعض الدول والجزئي في بعضها الاخر، جاءت نتائجه مبشرة وطيبة، فعالمنا العربي، بل الإسلامي إذا استثنينا إيران وبعدها تركيا تظل أقل مناطق العالم ولله الحمد تضررًا.
أقول أني مع عدد من الأخوة تخوفنا أن يكون رمضان هذا العام، بطيئًا ومملاً ومختلفًا، بحكم الحظر الكامل أو الجزئي، ومنها إغلاق المساجد؛ لكن المفاجأة بالنسبة ليّ وللآخرين من الأخوة والأصدقاء أنه جاء مختلفًا كليًا، بل وصادمًا، إذ لم يشعر الغالبية بما تخوفنا منه، فقد كان رمضانًا سريعًا وسهلًا وميسرًا، وأبرز ما فيه -في تصوري- أنه ربط العبد بربه بشكل واضح فغابت بعض المظاهر التي ارتبطت بهذا الشهر الفضيل وأبرزها ظاهرتان يمتاز بهما هذا الشهر، وهما صلاة التراويح وقراءة القرآن؛ ففي الأولى واقصد بها صلاة التراويح أداها الناس دون ضغوط، وتحقق من خلال تأديتها بهذا الشكل إلى غياب مظهر نجده عند البعض، وهو مراعاة الناس في صلاتها، وحل محله الارتباط المباشر بالله عز وجل. والثانية حسب ما فهمته من عدد من الزملاء الزيادة الواضحة عند الصائمين في تمكنهم من ختم القرآن الكريم عدة مرات.
ورافق هذا الشهر غياب كلي لمناسبات واحتفالات كانت لا تتعدى أنها في أحيان مظاهر استعراضية، بها كثير من التباهي، يتخلله إسراف وتبذير لا داع له؛ ولعلي أشيد هنا بتجربة قرأت عنها لشركة “ذيب لتأجير السيارات” التي دأب القائمين على إدارتها إقامة إفطار جماعي في هذا الشهر، واستبدلوه أثابهم الله بدفع تكاليف الإفطار السنوي إلى تبرع باسم كافة العاملين إلى الجمعيات الخيرية، وكم أتمنى أن يكون هذا ديدن الشركة. واختفت مظاهر الصخب والازعاج، التي كنا نجدها ليس فقط حول دور العبادة، بل في الشوارع والأحياء، فصار الليل سباتًا وسكونًا.
ولهذا أستطيع القول إن الناس في شهر رمضان لهذا العام كانوا فيه -ولله الحمد- أقرب إلى رضى الله منهم إلى رضى الناس ولفت انتباههم، فاختفت ظاهرة التفاخر بصلاة التراويح والركض إلى أصحاب الأصوات الجميلة، واكتشف العبد منا ان الاتجاه إلى الله يحتاج إلى سكنية وهدوء وطمأنينة، فمن صلى منهم أو قرأ القرآن وتدبره كان لله عز وجل، وهذه بحد ذاتها نعمة كبرى؛ بل أن البعض قد ختم القرآن عدة مرات في هذا الشهر الفضيل.
ولعلي أشير إلى أن هذه الجائحة قد غيرت من بعض الجوانب الاجتماعية، لم ترتبط فقط بهذا الشهر الفضيل، بل في فترة الحظر منذ بدايته، منها:
1- نقص واضح في نسبة حوادث السيارات القاتلة، والخطيرة؛ مع انخفاض غير طبيعي في حوادث الدهس، بنوعيه الآدمي أو الحيواني أو حتى البيئي.
2- تقلص واضح في المشاجرات واستخدام الأسلحة البيضاء، بل قرأتُ في إحدى الصحف لقاءًا مع أحد العاملين في المقابر، الذي أكد انخفاضًا غير طبيعي في أعداد المتوفين من غير المصابين بمرض كورونا. والذي كان من أسبابه انخفاض حوادث السيارات، والمشاجرات، والأخطاء الطبية (يزعلون علينا الأطباء).
3- اختفاء واضح في المستشفيات لآلاف من المراجعين والموسوسين الذي دأبوا على مراجعة المستشفيات لأي عارض، وهي ظاهرة مع الأسف أدت إلى تعطيل دور المستشفيات، وإضاعة وقت الأطباء في أمور أقل ما يقال عنها أنها لا تحتاج إلى زيارة طبيب؛ إضافة إلى الإسراف في الأودية غير الضرورية.
4- اهتمام الغالبية بممارسة الرياضة المنزلية، مع ظهور اهتمام لدى العائلة بالصحة والعانية بنوعية الغذاء.
5- زيادة الترابط بين أفراد الأسرة الواحدة داخل المنزل، بل أن بعضهم اكتشف الشخصية الحقيقية لنفسه ولأولاده، الذين كان يجالسهم لأوقات معينة في الأيام الاعتيادية، لكن في ظل الحظر جلساتهم واحتكاكهم المباشر زاد لساعات أطول.
6- السكينة والطمأنينة والهدوء والتأمل كل هذه كانت من سمات الحجر الوقائي منذ بدايته.
وسبحان الله فكما أن لهذه الجائحة أضرار لا تخفى على أحد (أشرت إليها في مشاركة سابقة)، إلا أن لها إيجابيات على الأسرة، والسؤال هل تستمر -في عالمنا العربي- هذه الإيجابيات؟
شخصيًا لا أظن أنها ستستمر، إذ ما تعود الحياة إلى طبيعتها وصخبها ستعود حليمة إلى عادتها القديمة.
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وجعلنا وإياكم من العائدين والفائزين والمقبولين بحول الله تعالى.