المملكة تهز أسواق النفط
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
دعا وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، نظراءه في “أوبك” إلى فندق بارك حياة في مدينة فيينا لإجراء مباحثات حول سبل الخروج من الأزمة “الناشئة عن تفشي فيروس كورونا” مساء الخميس قبل الماضي «الخامس من مارس 2020م».
وكانت “أوبك” قد أعلنت في وقت سابق من ذلك اليوم خططا لإجراء تخفيضات إضافية على الإنتاج بمقدار 1.5 مليون برميل يوميا طوال الأشهر الثلاثة المقبلة استجابة من اتحاد المنتجين لتدهور الطلب العالمي على النفط بسبب تفشي فيروس كورونا، ولكن بعد ساعات قليلة، تعرض الاقتراح لمأزق، حيث لم تتقبله سوق النفط، بل الأسوأ من هذا أن روسيا أيضا لم توافق على الاقتراح، وهي الشريك الرئيس لـ”أوبك” في تحالف امتد لثلاثة أعوام حتى الآن.
وقال أحد الأشخاص المطلعين على المفاوضات التي استمرت أسابيع إن “روسيا لم يكن لديها استعداد للتجاوب منذ البداية”.
وبعد المحاولات المكثفة لإقناع الروس بتبني التخفيضات الجديدة، حان وقت اتخاذ القرار، وكان حين غيّر الأمير عبدالعزيز، بدعم من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ـ ومن نظرائه في «أوبك»، الخطة في تلك الليلة، متعهدا بإجراء تخفيضات طويلة الأمد. ولكن لإقرار تلك التخفيضات، كان يجب على روسيا الموافقة عليها. وكان هذا قرارا نهائيا.
وقلة فقط، سواء في الرياض أو موسكو، كان بمقدورهم التكهن بما حدث بعد ذلك خلال الأيام التالية، حيث اتجهت أسواق النفط المعتلة بالفعل إلى الانهيار.
ومن خلال مقابلات لصحفيفة «فاينانشيال تايمز»، أجراها ديريك براوار، وأنجيل رافال، وديفيد شيبرد من لندن، وجريجوري ماير من نيويورك، مع عشرات من مسؤولي “أوبك” والمستشارين الحكوميين والتجار وخبراء الطاقة، أكدوا إمكانية بناء صورة لقطاع كان يتأرجح على الحافة بشكل ينذر بالخطر وهو الآن في حالة سقوط حر.
ومنذ الاجتماع في فندق بارك حياة، هبط سعر خام برنت المرجعي 34 في المائة، وشهدت كبريات شركات النفط والغاز الرئيسة في العالم خسائر بمليارات الدولارات بسبب تراجع أسعار أسهمها ـ ما أدى إلى التوسع في عمليات التخلص من الأسهم ببيعها في الأسواق، وزيادة مخاوف اقتصادات الدول المنتجة من التداعيات.
لقد دخلت كل من السعودية وروسيا ـ الدولتين الحليفتين اللتين كان تحالفهما مستبعدا في وقت ما ـ في معركة جديدة على حصة كل منهما من السوق. وفي هذا الصدد، قال روجر ديوان من “آي. إتش. إس. ماركت” الاستشارية والمتابع لشؤون منظمة “أوبك” لفترة طويلة “إن هذه هي النسخة النووية من حرب الأسعار، عندما تكون عملية تدمير الطلب لا نظير لها، أو أنها بصراحة تستعصي على الفهم”.
السعودية تصوّب أولى طلقاتها
في يوم السبت، أطلقت المملكة أولى طلقاتها، حيث قامت شركة النفط الحكومية، أرامكو السعودية، بتخفيض السعر الرسمي لبيع نفطها الخام بما يصل إلى ثمانية دولارات للبرميل. وكان أكبر المستفيدين من التخفيضات المشترين من شمال شرق أوروبا، وهي المنطقة التي تمثل سوقا مهمة للمصدرين الروس.
وفي هذا الشأن، قال الشخص المطلع على المفاوضات السعودية ـ الروسية: “بمجرد أن يتخذ المرء قرارا يجب أن يتابع تنفيذه ويمنحه انطلاقة جيدة”.
وبدأ التجار يتأهبون. حيث قال دوجلاس كينج، أحد مديري صناديق الاستثمار التحوطي، عندما رأى حجم التخفيضات التي كانت تجريها المملكة على الأسعار بأنه علم على الفور أن الأمر سيكون “مجزرة كاملة” في سوق النفط.
وقال كينج، الذي يدير صندوق السلع الأساسية التابع لشركة آر سي إم إيه: “إنها محاولة لإغراق السوق”.
ومن سنغافورة إلى لندن، طلبت شركات مثل “فيتول”، وهي أكبر شركة مستقلة لتجارة النفط على مستوى العالم، من موظفيها البقاء على مكاتبهم في التوقيت نفسه الذي تبدأ فيه سوق نيويورك عملها ليلة الأحد والتأهب لبدء التداول في عقود النفط الآجلة بمجرد أن تضيء شاشة التداول الإلكترونية.
ودفعت أوامر البيع المتدفقة أسعار خام برنت للهبوط تتجاوز 30 في المائة وصولا إلى أقل من 35 دولارا للبرميل.
كانت الاستراتيجية السعودية تستهدف “تحقيق أكبر هبوط ممكن في سعر النفط وفي أقرب وقت ممكن”، حسبما قال بول هورنسنيل، رئيس أبحاث السلع الأساسية في بنك ستاندرد تشارترد. ويبدو أن الخطة نجحت في تحقيق هدفها.
وفي صباح يوم الإثنين، توقعت وكالة الطاقة الدولية، وهي الجهة الرائدة في مجال توقعات الطاقة على مستوى العالم، بأن العالم سيشهد انكماشا في الطلب على النفط لأول مرة منذ عام 2009 ـ وهو مؤشر آخر على أن الأسواق لم تكن تواجه صدمة في جانب العرض فحسب، بل كانت تواجه صدمة ـ ربما تكون أكبر ـ في جانب الطلب أيضا.
وتراجعت أسواق الأسهم بمجرد بدء عملها. حيث تهاوت أسهم شركات الطاقة الأوروبية الكبرى في الوقت الذي شهدت “أرامكو السعودية” نفسها هبوط أسعار أسهمها إلى أقل من سعر طرحها للاكتتاب للمرة الأولى في كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي.
وعلى مستوى منطقة الأطلنطي، هرع مديرو صناديق الاستمرار بحثا عن ملاذ. وقد أخبر مؤسس أحد صناديق الاستثمار الكبرى في مانهاتن موظفيه بضرورة أن يوجدوا في مكاتبهم قبل السادسة صباحا، قبل بدء عمليات بيع الأسهم المنتظرة في بورصة نيويورك “مع أنه لم يذهب للشركة بنفسه خوفا من فيروس كورونا”.
وبالعودة إلى موسكو، كان مستوى الذعر أقل على ما يبدو. حيث قال وزير المالية إن روسيا يمكنها أن تتحمل سعر نفط يراوح بين 25 و30 دولارا للبرميل طوال الأعوام الستة أو العشرة المقبلة. وردت المملكة بتوجيه ضربة مضاعفة. ففي يوم الثلاثاء، طلبت المملكة من “أرامكو السعودية” رفع إمداداتها بمقدار الربع وصولا إلى 12.3 مليون برميل يوميا، أي بزيادة قدرها 2.6 مليون برميل يوميا عن مستويات إنتاجها في الفترة الأخيرة. وبعد يوم واحد، أصدرت أمرا برفع الطاقة الإنتاجية القصوى إلى مستوى قياسي يبلغ 13 مليون برميل. وفي المقابل، أعلنت روسيا أنها تستطيع أن تضخ النفط بمعدلات أعلى أيضا.
في غضون ذلك، كانت الفوضى التي يتسبب فيها فيروس كورونا تزداد انتشارا. فقد دخلت إيطاليا فعليا في حالة من الإغلاق الكامل. ووضعت الحكومات الأوروبية إجراءات طارئة لمجابهة الفيروس، وقام الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بحظر سفر المواطنين الأمريكيين من معظم الدول الأوروبية إلى الولايات المتحدة. وبدأت توقعات وكالة الطاقة الدولية معتدلة وأخف حدة من الواقع.
كانت المشكلات تتراكم على جانب الطلب في الوقت الذي بدأت الحرب تتصاعد حدتها على جانب العرض.
وأي إنسان كان يطرح تساؤلا عما إذا كانت السعودية وروسيا جادتين بشأن حرب الأسعار التي تقومان بشنها، كان يمتلك إجابة.
وأكد أشخاص مطلعون على موقف المملكة أنه في ظل أوضاع السوق الراهنة ودون حدوث تحول ملموس في الموقف الروسي، فإن التحالف المتصدع سيظل كذلك. وقد وضعت الاستراتيجية السعودية في موضع التنفيذ في الوقت الراهن. وهي “ستستمر”، حسب قول عضو مؤتمر “أوبك”.