الرأي , هواجيس
الطابوقة.. سرّ سعادتها
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
الطابوقة هذا قدرها أن تكون بشعة .. خشنة .. رمادية .. مليئة بالإكتئاب.. ولكنها هي من يصنع لنا منازلنا وتحدد مساحاتنا الخاصة.. تتحمل المطرقة كثيرًا لكي تصطف في خط مستقيم.. بالرغم من أثرها العظيم إلا أنها تختفي عن أعيننا بعد فترة من الزمن ولكنها باقية في الداخل ..
وهناك جيل جديد من هذه الطابوقة بألوان مختلفة وتنفيخات في جسدها لتبدو أعرض من الطابوقة الأصلية.. كل هذا من أجل إرضاء الإنسان.. طول عمرها مظلومة .. عملها عظيم ، ولكنها منسية خلف ستارة من اللياسة والدهان..
أحياناً تكون مكشوفة ، وهي ترى الرخامة كيف يتم تدليلها وتلميعها والحرص عليها ألا تنكسر أو تخدش وهي تغطي تلك الطابوقة البائسة.. والحديث دائماً عند الإنسان عن جمال الرخامة .. كم بكت تلك الطابوقة وتمنت أن تكون رخامة يعتني بها الإنسان ويباهي بها..
ولكنها حينما رأت بعض الرخامات مصطفات على الأرض في مداس الإنسان ، وتتحمل ثقل الأثاث ، وينسكب عليها الساخن والبارد ، وتتحمل كل هذه المتغيرات.. رحمتها وقالت في نفسها : “بالرغم من أنني مخفية إلا أنني مصانة ولست بمهانة”..
وتعاني رخامات الأرضيات بين فترة وأخرى من ألم تقشير البشرة (الجلي) .. كل هذا من أجل الإنسان ؛ كي يهنأ بشكلها وهي ناعمة لامعة.. تتجرح بشرتها بتحريك الأثاث أو بعض أحذية البشر.. ألم لا يطاق.. ولكن هذا قدرها..
ويظل ألم الرخامة أكبر بكثير من الطابوقة.. فهي إأُتزعت من موطنها بقوة التفجير .. ودخلت في عدة مناشير … قطعتها بكل ألم مستطير .. وتحملت دعك حجارة خشنة على بشرتها الرقيقة؛ كي تظهر جمالها وخطوط فتنتها وجاذبيتها .. كم أنت جشع وطماع أيها الإنسان؟!..
لم تطق الطابوقة صبراً.. فتحدثت للرخامة قائلة: “هل أنتي سعيدة؟” .. فأجابتها: “أنا مزهوة بجمالي وجاذبيتي ، ولكن الإنسان لا يقدرها بالدوس عليّ لتحقيق رغبته في اقتنائي والدوس على كرامتي”.. فقالت الطابوقة لها ، وهي متأثرة بدموع قد سُكبت من الرخامة أثناء الحديث: “لا عليك.. فأنا في ظلام مستمر صابرة محتسبة راضية مقتنعة بأن هذا قدري”.. فقالت لها الرخامة: “كم تمنيت أن أعود وأصبح طابوقة بعيدة عن الأعين ، ولكنني مرتاحة مع نفسي” ..