يثير الكتاب التفكير في «أنظمة التحضر» والأشكال الحضرية المختلفة من حول العالم
كتاب “أنثروبولوجيا المدينة” لميشال أجيي.. دراسة لمسألة السياسة في البيئة الحضرية
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
نشرت مجلة الفيصل في عددها الجديد (سبتمبر) ترجمة لكتاب “أنثروبولوجيا المدينة” «Anthropologie de la ville» لعالم الأنثروبولوجيا ومدير الأبحاث في معهد الأبحاث من أجل التنمية في فرنسا ميشال أجيي، الذي ترجمه إلى العربية الكاتب والمترجم المغربي سعيد بلمبخوت.
وتكمُن أهمية هذا الكتاب في التفكير الذي يقترحه حول مسألة السياسة في البيئة الحضرية، وذلك بدراسة الحالات الطقوسية الحضرية (التمكن من استغلال الفضاء) ثقافيًّا (الكرنفال) أو سياسيًّا (مظاهرة في الشارع). إذا كانت اللحظة الطقوسية مهمة جدًّا لفهم قيام المدينة والعمل الحضري، فذلك لأنها، كما بيَّنتْه العديد من الأعمال، تسمح بتعليق الحياة اليومية، وبالخروج من الهويات المسندة، وبالاجتماع بين الأقران وأخذ الكلمة من أجل إقامة، بصورة مؤقتة، اللقاء الذي يمكن أن يخلق «عالمًا مشتركًا».
ويقترح مؤلف الكتاب ميشال أجيي في كتابه هذا التفكير فيما «يشكل المدينة»، وذلك بدراسة كل الأفضية الموجودة على هامش المدن التي ظلت مهملة، ودراسة كذلك أنشطة الذين يسكنون فيها. وتلك الأفضية يعرفها الكاتب جيدًا بمراقبته لها طوال عقود في إفريقيا وأميركا اللاتينية وأوروبا والشرق الأوسط. ومن خلال التركيز على الممارسات، والتصورات وتمثيلات الأفراد والجماعات التي تخلق تلك الأماكن، وانطلاقًا من مبدأ «المساواة بين جميع الأشكال الحضرية، فالمؤلف يضع جانبًا بعض التمثيلات التي تحيط بالأفضية «الهامشية» التي تكون غالبًا مرتبطة بالفراغ أو النقص أو العجز، ويكشف في الوقت نفسه ممارسته لعلم الأعراق ومفهومه عن الأنثروبولوجيا والتفسير وصياغة مفاهيم المدينة. فهذه هي الخطوة التجريبية التي يرمي هذا الكتاب إلى إيصالها من خلال هذه الصفحات، فقط من أجل فهم أفضل للعالم من حولنا، والمدن التي نعيش فيها، وتلك التي سنبتكرها مجددًا.
يضم الكتاب ثلاثة أجزاء. يحدد المؤلف في الجزء الأول «مدينة علماء الأنثروبولوجيا» الإطار العملي والنظري لأنثروبولوجيا المدينة التي هي جزء من إرث ثلاثي: مدرسة شيكاغو في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، وما يتعلق بالدراسات الاستقصائية التي أجراها علماء الأنثروبولوجيا بمدرسة مانشستر، ثم الأنثروبولوجيا الفرنسية الخاصة بالعوالم المعاصرة، التي ظهرت ابتداءً من ثمانينيات القرن الماضي، ويقترح الكاتب في النهاية تصنيفه الخاص الذي يسمِّيه «الأوضاع الأساسية للحياة الحضرية».
في الجزء الثاني، «المدينة في أوج نشاطها»، يعود المؤلف إلى المشروع المتعلق بأبحاثه، ويهدف ذلك المشروع في لومي كما في سلفادور دو باهيا وتوماكو ولندن وكينيا، إلى فهم ديناميات التموقع localisation حسب آرجون أبادوراي Arjun Appadurai وهو يتحدث عن «الموقع» وهذا يتطلب تحليل «المدينة المعيشة» وذلك من خلال تجربة الساكنة الحضرية والمسارات اليومية وشبكات الأماكن والأشخاص الذين ينسجونها ومن خلال التبادلات الاجتماعية والرمزية التي تنشأ. لكن التجربة الحضرية تقوم أيضًا من خلال تدمير الأماكن والتشريد بشكل عنيف، وهو ما يجبر عالم الأنثروبولوجيا على النظر في عمليات التنقل وإعادة التوطين وحالات العبور من مكان إلى آخر.
ويحاول المؤلف اقتراح دليل منهجي؛ حيث يقدم بعض أساسيات الحقل المعرفي كممارسة ومعرفة على حد السواء؛ وذلك باعتماده على الاستقصاء الإثنولوجي الذي يتميز قبل كل شيء ببُعده المايكرو – اجتماعي الذي يسمح بمراقبة ووصف المواقف الملموسة. ومن خلال عرض مفاهيم «المنطقة» و«الحالة» و«الشبكات»، وميادينها الخاصة، ولا سيما تلك التي أجريت في سلفادور دو باهيا (البرازيل) ولومي (توغو). ويشير المؤلف أيضًا إلى أن أحد تحديات عمل الأنثروبولوجي في المدينة هو الانتقال من وصف «العوالم الحضرية الصغيرة» التي يمكن ملاحظتها على مستوى الأفراد الحضريين، إلى إنتاج معرفة أكثر عمومية بالمدينة.
ويثير الكتاب التفكير في «أنظمة التحضر»، أي النهج الذي ينطوي على مراعاة الأشكال الحضرية المختلفة من حول العالم. ومن بين تلك الأشكال تحدث بالخصوص عن المعسكرات كشكل من «مشروع مدينة». وأنثروبولوجيا المدينة ليس لها حدود؛ ذلك أن «كل الميادين» والأماكن المتعددة أصبحت اليوم مجالات للملاحظة، حيث يمكن في آن واحد ملاحظة ذلك العنف المتعلق بالانفصال الحضري وعمليات بدايات تحويل المدينة. ومن خلال هذا الكتاب يحاول ميشال أجيي متابعة تلك المسارات.