الرأي , هواجيس
النافذة الصغيرة.. والباب الكبير
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
وتيرةُ الحياةِ تمضي بنا أسرع مما كانت عليه، وأصبح لدينا أصدقاء افتراضيون، نُعطيهم جُلَّ وقتنا.. وأصدقاء واقعيون ابتعدنا عنهم.. وأصبحنا مدمنين للنافذة الصغيرة التي تُطلُّ على عالمٍ كبير.. ونسينا الباب الكبير الذي يُطلُّ على عالمٍ صغير.
نشعر بضياعٍ حينما تُغلَق تلك النافذة الصغيرة.. بينما الباب الكبير لا يزال مفتوحًا، ولم نكترث له.
قد يكون نفاقنا زائدًا، أو ربما أصبحت كثرة مجاملاتنا زائدة.. وأصبحنا نعزي في أناسٍ لا نعرفهم، ونتخلف عن أصدقاء لنا في المقبرة يُدفنون..
ربما أصبحنا نهنئ مَن لا نعرفهم.. وننسى أن نبارك لمَن هم حولنا بنجاحاتهم.. وأصبحنا مثقلين جدًا بتلك الواجبات والمهمات.. والسؤال يزداد إلحاحًا: إلى متى؟!
ربما هي أريحيّة أننا نجتمع مع أصدقائنا الافتراضيين، ونحن بالسروال والفانيلة. أو ربما عند إشارة مرور منتظرين دورنا في العبور.. أو ربما في عيادة على كراسي الانتظار جالسين.. أو ربما نكون في مجلس نُحسب مع الناس، ونحن في ملكوت النافذة خاضعين.
أدمنَّا تلك النافذة، ونسينا الباب.. فأخشى أن نصل يومًا إلى أن نفقد ذلك الباب في حياتنا، ونصبح خاضعين طائعين للنافذة مدمنين.
أصبحنا نحفظ دعاء الميّت في أجهزتنا الذكية؛ لكي نردّ على مَن نعزيهم.. وصورة تهنئة العيد لنرسلها في كل عيد.. وربما صور أزهار وورود عليها تصبيحات وتمسيات..
ما نفعله أصبح برنامج كمبيوتر ذكي.. وليست له علاقة بالبشر.. ربما أصبحنا عبيدًا للتقنية، وعاد الرقّ من باب الإلكترونيات.
وهناك جانب أخطر في تلك النافذه.. وهو الـ”سناب شات”.. ولعل النساء أكثر إدمانًا من الرجال عليه.. وهنا دخلنا في “هوس” تصوير الأكل بدلًا من أكله.. وهوس أخذ القروض كي نصوّر ونحن في لندن.. وهوس تصوير بيوتنا من الداخل للحصول على “لايكات” ومتابعات..
خصوصيات المنازل أصبحت مُباحة.. وسقوط أعمدة المنازل أصبحت عادة.. حتى أصحاب المطاعم استعبدوهم بأطباق باهظة الثمن؛ كي يتم تصويرها.. وصلنا لمرحلة هوس عجيبة غريبة.. فقدنا المتعة، وفقدنا الفرح، وفقدنا السعادة..
والكل يقول: “أدوشتنا يالبواردي”.. نحن نعرف مصيبتنا.. نريد علاجًا لها… وقمتُ بتجربة إلغاء برنامج “تويتر” في رمضان لمدة أربع سنوات.. وكنتُ أعتقد أنه صعب.. ولكنني وجدته أسهل مما توقعت.. وهذا ما يقودني لتجربة إلغاء التعامل مع شبكات التواصل الاجتماعي في عطلة نهاية الأسبوع من عصر يوم الخميس إلى مساء يوم السبت.. لنجدّد العهد مع شبكات التواصل الحقيقية.. ونعود لتلك المجالس، ونحكي كما يحكي البشر، ونضحك كما يضحكون..
فقد ملَلنا أيقونات المشاعر.. نحن بشر، ولنعِش ما تبقى من عمرنا كبشر.. جرِّبوا أن ترجعوا كما كنتم.. وتبًّا للتقنية!!