قطر في إيطاليا: مأزومة إن صدقت ومأزومة إن كذبت
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
تقول الناطقة الرسمية باسم وزارة خارجية (الدولة الأولى) قطر السيدة لولوة الخاطر، تعليقاً على ضبط أسلحة قطرية في حوزة جماعات يمينية متطرفة في (الدولة الثانية) إيطاليا، إن هذه الأسلحة المصنوعة في (الدولة الثالثة) فرنسا خرجت من دائرة مسؤولية الحكومة القطرية منذ العام 1994 بعد بيعها (لدولة رابعة) لم تذكرها الخاطر بالاسم، في بيانها المنشور عبر وسائل إعلام بلدها باللغتين العربية والإنكليزية.
وتضيف الخاطر أن صفقة البيع للدولة الرابعة منذ أكثر من 25 عاماً، شملت 40 صاروخاً من نوع “ماترا” من دون ذكر تفاصيل أخرى.
وعلى افتراض صدقية هذا البيان، فإنه يطرح الكثير من الأسئلة، التي لا أشك في أن إجاباتها ستعمّق من أزمة الدوحة التي تعيشها حالياً نتيجة سلوكها غير المنضبط في المنطقة في السنوات الأخيرة.
أما إذا ما اعتبرنا البيان كاذباً ومضللاً ومزيفاً للحقيقة، انحيازاً إلى خبرتنا في الشأن القطري، فإن الدوحة ستعيش خلال الأشهر المقبلة وضعاً سياسياً يتأرجح بين الضغوط الدولية والابتزاز الغربي، الذي ربما يسْفر عن بناء قاعدة عسكرية إيطالية جديدة في جزيرة صقلية على حساب الخزينة القطرية!
يقول القطريون الصدق في هذا البيان! حسناً.. هل أخبروا الفرنسيين نيتهم بيع هذه الأسلحة في عام 1994 إلى طرف ثالث كما تنص اتفاقات بيع السلاح في العادة؟ هل يعرف الفرنسيون هذا البلد الرابع أم أن القطريين خالفوا بنود الصفقة مع الفرنسيين ومرروا الأسلحة إلى منطقة أخرى من العالم من دون علمهم؟ الإجابة بالطبع عند الحكومة الفرنسية، لكنها لن تسر القطريين بالتأكيد، فهي لن تخرج عن جملتين: “نحن لا نعلم” أو “نحن نعلم، لكننا قلقون لوصولها في نهاية الأمر إلى جماعات متطرفة”! وكلا الجملتين ستولدان ضغطاً فرنسياً على قطر، قد ينتهي بالشيخ تميم بن حمد آل ثاني في باريس لمحاولة ترميم العلاقة بين البلدين، أو قد تأخذ إيمانويل ماكرون إلى الدوحة لقطف المزيد من المكاسب من مرحلة التيه القطري.
ثم إذا كانت المضبوطات القطرية في إيطالياً جزءاً من الصفقة القديمة التي تحدثت عنها لولوة الخاطر، فأين باقي أسلحة الصفقة؟ أين الصواريخ الـ 39 الأخرى الشبيهة بالصاروخ الذي تم ضبطه بعد جولة مفاوضات ماراثونية لبيعه على تطبيق “واتس أب” الشهير؟ هل ما تزال هذه الصواريخ عند الدولة الرابعة، أم أنها تسربت أيضاً إلى جهات إرهابية في أوروبا وأميركا؟ الإجابة أيضاً لن تسر قطر، لأن الدولة الرابعة وفق الخاطر “لا تريد في الوقت الحالي أن تكشف عن اسمها”، وفي حال كشفت عن اسمها سيكون أيضاً من الصعب عليها تقديم تقرير وافٍ للمجتمع الدولي عن مصير هذه الأسلحة.
القطريون صادقون في بيانهم! حسناً.. هل يتوجب عليهم أن يقدموا للمجتمع الدولي قائمة بالدول التي أعادوا تصدير الأسلحة الغربية إليها في السنوات الأخيرة؟ وهل هذه الدول تُعد دولاً صديقة للدول الغربية، أم أنها في موقع الخصومة الدائمة كإيران أو الخصومة الموقتة كتركيا؟ وهل من بين هذه الدول من يفكك تكنولوجيا هذه الأسلحة ليعيد تركيبها من جديد تحت أسماء وعلامات جديدة؟! هل عملت قطر كمنصة سمسرة خلال الثلاثين سنة الماضية لتهريب التكنولوجيا الغربية إلى دول تقع تحت طائلة الحظر التكنولوجي؟ الإجابات بالطبع لن تسر القطريين، ففي كل الحالات ستظهر الدوحة بمظهر الطرف غير الموثوق الذي لا يمكن التعامل معه بندية وصدقية.
على المقلب الآخر، ندرك جميعاً أن قطر استمرأت الكذب، ووجدت فيه مخرجاً نفسياً للكثير من الأزمات التي حاصرتها سابقاً أو التي تحاصرها في الوقت الراهن. قطر اليوم ليست إلاّ مصنعاً كبيراً للكذب والمناورات، وما هذا البيان الجديد إلا استمراراً لمحاولاتها خداع المجتمع الدولي. فهل تمضي في الطريق ذاته، غير آبهة بالخسائر التي ستحل بعد حين، أم أن الخرق اتسع على الراقع وحانت ساعة الحساب الدولي؟
القطريون كاذبون في تقريرهم، وهذا في تقديري ليس احتمالاً كما تقدم، إنما حقيقة تسندها وقائع على الأرض. القطريون كاذبون! لكن السؤال يبقى: هل أرسلوا أسلحتهم هذه مباشرة إلى الجماعة الإيطالية المتطرفة، أم انتقلت عبر طرف إرهابي ثالث؟ هل يسعى القطريون إلى التأثير المباشر في السياسة الإيطالية عبر امتلاك محور قوة هناك، أم أن الجماعة الإيطالية حصلت على هذه الأسئلة عبر اتصال مباشر بجماعات إرهابية في منطقة الشرق الأوسط؟ الإجابات لن تسر القطريين بالتأكيد، فكل حرف فيها يقول إن قطر دولة مارقة وخارجة عن القانون، إما بسبب تدخلها العسكري الإرهابي في دولة أخرى، وإما لأنها تتعامل مع ميليشيات إرهابية لتنفيذ أجندات خفية لا تتفق مع القوانين والمواثيق الدولية.
القطريون كاذبون في تقريرهم! فقد دأبوا على جمع المتناقضات في سلة واحدة منذ زمن بعيد. يناصرون الأحزاب الشيعية المتطرفة لضرب الأطراف الشيعية المعتدلة، ويدعمون بالمال والسلاح الجماعات السنية المتطرفة للهيمنة على الإسلام المعتدل وخطفه وتوجيهه بما يخدم مصالحهم، ويحرصون أشد الحرص على أن لا تتصادم هذه المتناقضات التي تتظلل برعايتهم، يؤوون “الإخوان المسلمين” ويوفرون لهم المنصات الإعلامية التي تدعو لـ “أخونة” الشوارع العربية، وفي الوقت ذاته يروجون الأطروحات القومية التي تدعوا لاجتثات “الإخوان”! يظللون بيد “جماعات الإسلام السياسي” في فلسطين باسم الثورة والتحرير والمقاومة، وفي اليد الأخرى يحملون المظلة، لإخفاء ظل القامات الإسرائيلية التي تسرع الخطى باتجاه العمق العربي!
دأب القطريون على خلق توازنهم على جمع المتضادات في سلة واحدة، لكن يبدو أن أزمتهم الأخيرة مع الدول الأربع المقاطعة أثّرت على هذا التوازن، ما دفعهم إلى إدخال عامل جديد في اللعبة! إذ يعتقد القطريون، ربما، أن في إمكانهم إعادة توازنهم من جديد بإدخال طرف مسيحي متطرف في المعادلة! إنهم يمارسون الفوضى من أجل النجاة!
القطريون يكذبون وإلاّ لما بادرت لولوة الخاطر بالتصريح في المسألة الإيطالية فقط، بينما تجاهلت في السابق حالات الكشف الكثيرة عن الأسلحة القطرية في سورية واليمن وليبيا وغيرها من البلاد العربية؟
العالم يراقب، ونحن ننتظر. هل سينتفض العالم المسيحي ضد تمويل متطرفيه وتزويدهم بالأسلحة، أم سيستغل الحادثة لفرض مزيد من “العقوبات الودية” على قطر، وابتزازها حتى “جزيء” الغاز الأخير؟
عبدالله ناصر العتيبي
نقلاً عن (الحياة)