مشكلتهم ببساطة: القيادة السعودية
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
ما يحدث في المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة من تغيرات اقتصادية واجتماعية وسياسية هائلة بكل المقاييس، يفترض أن يثير اهتمام العالم، سواء في أروقة مراكز البحوث وصناع السياسة أم الوسائل الإعلامية العالمية، غير أن الأخيرة تتعمد تجاهل ذلك، وتبحث في كلل لا يعرف الملل عن السلبيات والثغرات. لعل في ذلك خير، إذ وكما يقال: “صديقك من صدَقك لا من صدقَّك”، وحتماً سيجد أي ناقد بعض الهفوات ويساعد من حيث لا ينوي المساعدة لفت انتباه الحكومة السعودية إليها وإصلاحها.
من أبرز الشواهد على “الانتقال” الذي تعيشه السعودية، تعيين الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان واعتمادها سفيرة للمملكة العربية السعودية لدى الولايات المتحدة. تكليف الأميرة بهذا المنصب الهام، يعتبر الأول من نوعه، إذ لم يسبق أن شغلت امرأة سعودية منصب السفير. لذا، فإن اليوم الذي تم استقبالها في البيت الأبيض وقبول أوراق اعتمادها هو في الواقع حدث تاريخي هام. تجدر الإشارة هنا إلى ما حدث قبل ذلك، وتحديداً في عام 2013 عندما صدر الأمر الملكي بضم 30 سيدة سعودية إلى مجلس الشورى. قبل هذا القرار ببضع سنوات، تولت السيدة نورة الفايز منصب نائب وزير التعليم وأخيراً تم تعيين السيدة تماضر الرماح في منصب نائب وزير العمل. ومن يدري؟ فقد يتم تعيين امرأة في منصب وزير قريباً. اليوم، نرى السيدات في أمانات المدن وبلدياتها وفي الصحة والتعليم والأمن، يعملن جنباً إلى جنب مع الرجال في بيئة عمل مفتوحة لخدمة المواطن والوطن.
خلال هذه الفترة التي بدأت منذ عشر سنوات تقريباً، وفي القطاع الخاص، اقتحم سوق العمل السعودي مئات الآلاف من السعوديات ونراهن اليوم يمارسن العديد من المهن في قطاع الخدمات أهمها قطاع التجزئة، من كان يصدق وجود هذه الطاقة البشرية الهائلة لدى فتياتنا وانضباطهن ومهنيتهتن في أداء العمل؟ تزامناً مع هذه النقلة النوعية التي طال انتظارها، صدرت أنظمة عدة تحكم العلاقة بين الموظف ورب العمل، وأنظمة عامة تحكم حرية الحركة في الأماكن العامة وأماكن العمل للسيدات، أبرزها قانون التحرش الجنسي. على أن التنظيم الأبرز في نظري، إضافة إلى السماح للمرأة بقيادة سيارتها، هو إعادة نظام عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحول أبناء المجتمع السعودي إلى أفراد أسوياء تغلب على سلوكياتهم القيم التي نشأوا عليها في تربيتهم داخل البيوت، وتحكمهم أخلاقياتهم وكرامتهم بعد أن كانت الظنون السيئة والمخاوف الوهمية سيدة الموقف.
في الوقت ذاته، وعلى الصعيد الأمني، تخوض قوات المملكة العسكرية إلى جانب عدد من الدول الشقيقة في “التحالف العربي” منذ ثلاث سنوات، حرباً ضد ميليشيات إيران في اليمن والتي يرأسها عبدالملك الحوثي بعد انقلابه على الحكومة الشرعية هناك. وفي الداخل، يتم القبض بين وقت وآخر على ما تبقى من فلول التنظيمات الإرهابية مثل المنتمين إلى “داعش” و”القاعدة” وأخواتها.
وعلى صعيد آخر، انفتحت البلاد على ترويج السياحة الداخلية، وأصبحت مسارح المدن السعودية تعمل بكل طاقاتها لاستقبال البرامج الفنية والثقافية التي لاقت قبولاً كبيراً لدى الشعب السعودي. لعل أبرز هذه الفعاليات هو التركيز على المواقع التاريخية في منطقة العلا شمال غربي البلاد، وتنظيم ما يعرف بـ “شتاء طنطورة” الذي شهد الشتاء الماضي ولادة نسخته الأولى. لن أخوض في الأرقام وأتناول حجم الأموال التي أصبحت تستدير داخل الاقتصاد السعودي عوضاً عن تحويلها للخارج، كأجور قوى عمالية أجنبية تم الاستغناء عنها أو انفاق سياحي يقدم عليه السعوديين في سفرهم للدول المجاورة. هذه المعلومات متوافرة لدى الجهات المعنية، والنجاح الاقتصادي في قلب هذه الموازين وهو السبب الأهم في الواقع لاتخاذ الحكومة هذه المبادرات.
في العقود الأربعة الماضية، وما أطولها، لم يكن يحدث في المملكة أي شيء مما ذكرته في هذه العجالة. لكن وكما يلحظ المتابع عدم وجود أي حملات مسعورة ضد السعودية تقودها وسائل إعلام من مصادر مشبوهة. لم نكن نقرأ عما يسمى “حقوق الإنسان” في ذلك الوقت كما نقرأ اليوم مع كل ما طرأ على هذه الحقوق من تطور.
يبدو لكل متأمل والله أعلم أن الأجندات “السرية” ضد السعودية والتي خطط “البعض” لتحقيقها سارية المفعول حتى هذه الأيام. (للمزيد من الشرح عن المكر الإعلامي أرجو الاطلاع على سلسلة تغريدات المواطن السعودي @KsaBanker في موقع “تويتر” يوم الخميس الماضي). وجود هذه الأجندات ليس بسبب ما يرددونه من قصص مكررة ومملة حول “حقوق الإنسان” أو حول الحادث المؤسف الذي وقع في القنصلية السعودية في إسطنبول، بل بسبب طبيعة ونهج القيادة الجديدة في السعودية ورؤيها، هذا “البعض” لا يريد للسعودية أن تتعافى وتمتلك “رؤية” طموحة وواعدة للغد. كانوا يريدون، بل وراهنوا على تآكل الدولة وغرقها في البيروقراطية والعجز عن التعاطي مع ما يستجد من تحديات. شرح ذلك بالتفصيل أمير قطر السابق في حديثه المسرب مع معمر القذافي. من هنا، لا يوجد أي غرابة في احتضان جماعة “الإخوان المسلمين” وشن الحملات الإعلامية المضادة والموجهة تحديداً ضد عرّاب هذه الرؤية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. الواقع أن المال القطري الذي أصبح التعاطي مع نتائجه على المكشوف، لم يسهم فقط في ذلك، بل أسهم في تلوث العديد من مؤسسات العالم وهيئاته الخيرية منها والحقوقية والرياضية والبنكية، وخرجت على العالم مصائب وكوارث تتعلق بالرشاوى والفساد بشكل لم يسبق أن حدث من قبل بهذا الحجم وهذه الجرأة والوقاحة.
عودة إلى افتتاحيتي هنا، الأهم لدى الحكومة والشعب السعودي هو تحقيق المنجزات وبناء الوطن بحلته الجديدة المتطلعة لغدٍ أفضل. نعم، هو سباق محموم يشعر به أي مواطن أو مقيم في المملكة، تغلفه النجاحات الكبيرة وتتسلل إليه بعض الإخفاقات الصغيرة. ونجاح الدولة والمجتمع حتى بتحقيق نصف الخطط والأهداف الطموحة المرسومة، يعتبر انجازاً غير مسبوق قياساً على الزمن الذي تحقق به. خلاف ذلك ليس إلا جدل لا يقدم ولا يؤخر وكما وجه ولي العهد السعودي شعبه، فلا يفترض أصلاً أن نشغل أنفسنا في الرد على بعض الجهات التي تم توظيفها والإملاء عليها لعرقلة هذه المسيرة.. فلدينا ما هو أهم.
فهد الدغيثر
نقلاً عن (الحياة)