السعودية والطريق إلى قمة العشرين
بدأ وفد المملكة العربية السعودية برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مشاركاته في أعمال قمة العشرين في مدينة أوساكا باليابان، تلك القمة التي تكتسي أهمية خاصة هذه المرة بسبب النوازل الكثيرة التي تحدق باقتصاد العالم، بشكل عام، وبمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي بنوع خاص.
في الطريق إلى القمة كانت الدبلوماسية السعودية تحقق نجاحات كبيرة من خلال زيارة كوريا الجنوبية، التي شهدت تعزيزاً للعلاقات الاقتصادية والشراكة الاستراتيجية التي تمتد لأكثر من 55 عاماً بين البلدين.
تولي المملكة في واقع الحال أهمية كبرى لشرق آسيا، الملعب الاستراتيجي للقرن الحادي والعشرين، وقلب العالم الجديد؛ الأمر الذي تجلى في جولات ولي العهد الفائقة الأهمية خلال العام الماضي، تلك الزيارات التي أرست واقعاً دولياً جديداً لدوائر التداخل الدبلوماسي والسياسي السعودي، وفي ظل رؤية استراتيجية للمملكة في قادم الأيام، ترتكز على منطلقات «2030»، وفيها ضبط المسافات بين الرياض وبقية عواصم وعوالم البسيطة شرقاً وغرباً.
يعلم القاصي والداني ما للمملكة من أهمية وثقل استراتيجي في المنطقة وحول العالم.. أهمية تنبع من حضورها الأدبي والأخلاقي، والجميع يتطلع لتجربة النهضة والاستنارة الوليدة، والكل يتوقع لها نجاحات كبيرة في قادم الأيام، ولا سيما أنها تولي البشر وقبل الحجر العناية والرعاية والاهتمام الوجداني، وتفتح أمامه مسارب الأمل.
ينظر قادة العالم اليوم إلى المملكة بوصفها حجر زاوية، وعمود خيمة للاستقرار، وللتنمية المستدامة في منطقة مضطربة، ليلها أرق ونهارها قلق، وعلى هذا الأساس تبقى المشاركة السعودية ضرورية إلى حدود مصيرية.
لا نغالي حين نستخدم لفظة مصيرية؛ ذلك أن الذين لديهم علم من كتاب حال ومآل الاقتصاد العالمي، يدركون أن المملكة بوزنها الاقتصادي، وموقعها الاستراتيجي تلعب دوراً متقدماً في أوضاع اقتصاديات العالم والنفط بنوع خاص.
لا يزال النفط سائل الحضارة الحديثة، وسوف تمر عقود طوال قبل أن يتم تعويضه بالبدائل التي تغني عنه، وإلى حين ظهور ذلك تبقى عواصم العالم ناظرة إلى منطقة الخليج العربي، وما يدور فيها من نوازل تحتاج إلى رؤية أممية، وقرارات جماعية.
قادة أكبر عشرين دولة في العالم والذين تمثل اقتصادياتهم نحو 80 في المائة من اقتصادات العالم، ويبلغ تعداد سكانهم نحو 62 في المائة من سكان العالم، حكماً لن يطول بهم المقام في موقف المتفرج مما يجري في مياه الخليج الدولية.
تهدد إيران بأنها ستوقف مرور النفط من مضيق هرمز، ومن قبل أدرك الجميع أنها كانت وراء التخريب المتعمد الذي أضر ببعض ناقلات النفط؛ ما يفيد بأن اقتصاديات الدول الكبرى بات رهينة الإرادة الثورية الإيرانية المغشوشة، والسؤال هل تقبل الدول العشرون الكبرى حول العالم بهذا التوجه الإيراني الذي يضرب بمصالح الجميع عرض الحائط؟
من بين أهم القضايا المطروحة على طاولات النقاش في أعمال هذه القمة تأتي مسألة الطاقة ومصادرها، والتهديدات التي تواجهها، وكيفية مجابهتها، ولا سيما أن هناك مخاوف تصل إلى حد تسريب معلومات بأن الاقتصاد العالمي معرّض لما هو أخطر من الأزمة المالية التي ضربت العالم في 2008 من جراء أزمة البنوك الأميركية.
العارفون بدروب الاقتصاد العالمي يتوقعون أزمة كبرى بسبب ارتفاع الديون العالمية، والشكوك التي تدور من حول مقدرة الوفاء بها وسدادها في أوانه، وحال إضافة اضطراب في أسواق النفط كما بدأت الإرهاصات تتضح مؤخراً، فإن الخوف كل الخوف من أن يعيد العالم سيرة الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي عرفتها البشرية في الثلث الأول من القرن العشرين.
والشاهد أن مسألة الطاقة التي سيكون لها نصيب الأسد من أعمال القمة، لا تعتبر مسألة اقتصادية فقط، بل تدخل في عمق الأزمات السياسية الدولية، وبنوع خاص الصراع العلني والخفي بين الأقطاب القائمة والقادمة حول العالم… ما معنى ذلك؟
باختصار غير مخل، لا بد أن نشير إلى أن القلاقل التي أحدثتها إيران باعتداءاتها المقطوعة على ناقلات النفط قد رفعت أسعار النفط في الولايات المتحدة بنسبة 9 في المائة في الأسبوع الماضي.
يعني هذا باختصار الإضرار الكبير بالأسواق الأميركية على الصعد كافة، والكارثي بالنسبة لواشنطن مالئة العالم وشاغلة الناس، أن ارتفاع أسعار النفط سيصبّ مباشرة في صالح ومصالح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسيزيد من أرباحه، وبالتالي تبدو العقوبات الأميركية واهية ويتلاشى مفعولها.
الذين شاهدوا استقبال الأمير محمد بن سلمان في أوساكا، عطفاً على الحوارات واللقاءات التي سيجريها مع قادة زعماء العالم، يدرك أن وسطية المملكة ودعوتها لتغليب الحوار، ورغبتها في أن يسود السلام العالم، أضحت مرغوبة ومحبوبة من الشرق والغرب، وفي وقت تتطلع فيه العيون إلى عالم جديد من التجارة الحرة والتبادل الخلاق، وليس التهديد بقطع شرايين المياه الدولية.
الوفد السعودي ينظر إلى قمة أوساكا بوصفها فرصة جيدة لتعزيز ثوابت «2030»، بمعنى التطلع إلى الاندماج في العالم الرقمي، والتبادل المعلوماتي، وهما سلعتا الغد وعليهما تقوم الاقتصادات الجديدة، اقتصادات المعرفة والابتكار، المغايرة لفكر الاقتصاد الريعي، وهو ما يشدد عليه الأمير محمد بن سلمان في قراءاته وتوجهاته كافة.
المملكة بمشاركتها هذا العام، تتحدث بلسان الشرق الأوسط كله وليس السعودية فقط، وتسعى إلى نماء المنطقة وازدهارها، رغبة في الحياة، وعلى العكس من الساعين في دروب الموت.
طريق المملكة إلى قمة العشرين، صعود على معارج الفضيلة، ومن أجل مجتمع أكثر إنسانوية، إن جاز التعبير.
إميل أمين
نقلاً عن (الشرق الأوسط)