قمم مكة.. دلالات المكان والزمان
دعوة خادم الحرمين الشريفين ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية لعقد القمتين الخليجية والعربية يوم الخميس تجيء في السياق الصحيح تمامًا كما هي عادة القيادة السعودية وحكمتها في كل القرارات، فالاعتداء على ناقلات النفط في الخليج العربي وعلى الخط الناقل مؤشر على التصعيد المحتمل في الأحداث من قبل أطراف لا تخفي إصرارها على العبث بأمن دول المنطقة ومصالحها الاقتصادية، مما يتطلب موقفًا عربيًا موحداً يرسل رسالة إلى العالم أن الموقف العربي رغم الأوضاع الحالية يظل موقفًا متضامنًا مع الأشقاء ضد أي عدوان خارجي، وأن الاعتداء على أحد البلدان العربية هو عدوان على الجميع، وأن الموقف تجاه العدوان سيكون موحداً والتصدي له لا يستثني أحداً رغم ما يبدو على السطح من خلافات تتراجع أمام مثل هذه المواقف، كما أن الرمزية التي يحملها الزمان والمكان اللذين دعا خادم الحرمين الشريفين القمة فيهما تؤكد الروابط التي تجمع الأمة في مثل هذه المواقف، فانعقاد القمة في مكة المكرمة وفي شهر رمضان له دلالته ومؤشراته الروحية والفكرية وحتى السياسية أيضًا، ولا شك أن عيون المخلصين في الوطن العربي وقلوبهم تتوجه إلى القمة متطلعة إلى تضامن عربي يعززه تضامن إسلامي من خلال منظمة المؤتمر الإسلامي أيضًا، لإرسال رسالة واضحة بالتضامن مع المملكة ودول الخليج العربي ضد أي اعتداء على أمنها ومصالحها، لا سيما أن مواقف المملكة وهذه الدول كانت دائمًا مع أشقائها في قضاياهم المصيرية، كما أن الخطر -لا سمح الله- لن يقف عند حدود دولة من الدول العربية والإسلامية، بل سيمتد إلى غيرها رغم ادعاءات المتربصين أنهم يضمرون الخير لبعض الأقطار العربية ويحرصون على العلاقات معها؛ فهم إنما يحاولون شق الصف العربي والإسلامي حتى يسهل عليهم تنفيذ مخططاتهم، كما أن الموقف العربي والخليجي الموحد سوف يعزز الموقف الدولي مع أمن المملكة ودول المنطقة والممرات المائية الدولية في المنطقة وضرورة المحافظة عليها وحمايتها من محاولات العبث بها وتهديد الملاحة فيها.
ولا شك أن ما سيصدر عن المؤتمرين من القرارات سيكون واضحًا وموجهًا لعدة أطراف، أولها الأمم المتحدة ومنظماتها التي يجب أن تحدد موقفًا واضحًا من محاولات التخريب والاعتداء واتخاذ القرارات الدولية التي توقف المعتدي عند حده، وتؤكد أن الموقف الأممي تجاه الأحداث الأخيرة والتطورات المستقبلية المتوقعة سيظل موحداً ضد العبث بالمصالح الدولية، ودول المنطقة والمياه الإقليمية والدولية بما يضمن سلامة كل وسائل النقل التي تمر عبر المضائق وتسير في أعالي البحر وتتواجد في المياه الإقليمية، وأن أي محاولات للتخريب ستواجه بموقف دولي موحد لا تجدي معه محاولات الإنكار والاختباء وراء عملاء محليين تحركهم أياد لم تعد خافية.
كذلك فإن القمة موجهة لكل من يكيد لأمن المنطقة ومصالحها بأن محاولاتهم أصبحت مكشوفة، وأن ساعة الحقيقة قريبة، وسيعرف القاصي والداني ما يكيدون ويشير لهم بأصابع الاتهام التي تتوجه لهم بالإدانة القاطعة، وسيلقى الجاني الجزاء كما حصل مع كثير من المعتدين في الأمس القريب والبعيد ويندمون.
والرسالة الثالثة لكل من يشككون في حتمية توحيد المواقف بين الأمة بما يضمن مصالحها وأراضيها وسلامة مواطنيها، وأن الأمة -إن شاء الله- قادرة على تجاوز الخلافات وحل المشكلات ولن يكون موقف أبنائها في سائر أقطارهم إلا مع إخوانهم في المملكة، وهو موقف مع الحق أولاً، ثم إن المملكة على الدوام مع أشقائها في سائر الأحوال.. كل ذلك يؤكد للأطراف التي تمكر بالمنطقة أن هذا الكيد لن يجدي شيئاً، وأن الحل الوحيد هو الكف عن التدخل والأطماع وإثارة النعرات المذهبية والطائفية، بل مد يد السلام ليعيش الجميع في أمن واطمئنان، وتجنيب العالم والمنطقة الأخطار التي لن يسلم أحد من آثارها.. «ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله».
فهد سعدون الخالدي
نقلاً عن جريدة (اليوم)