في دراسة حديثة صدرت عن مركز الملك فيصل للبحوث

الصين والعالم العربي.. صراع التنمية والاقتصاد مقابل الأمن

كيف ترى الصين الشرق الأوسط، وهل يمكنها الاستفادة من توسيع فرصها الإقليمية

ربما تشهد السنوات المقبلة ظهور الصين في أحدث نموذج لها كقوة عظمى، لتصبح نموذجًا عالميًّا للجمع بين نجاح النمو الاقتصادي والتعاون في مجال الطاقة والبنية التحتية والتجارة دون التخلي عن الالتزامات الأمنية. ولكن هذا لا يعني مثلًا أن الاستثمارات المالية الصينية في الشرق الأوسط ستجعل من بكين لاعبًا جيواستراتيجيًّا بالمنطقة في المستقبل القريب، بسبب العلاقات القائمة بين معظم الدول العربية وأمريكا والقوى الغربية، وأيضًا بسبب تقلبات سياسة القوة.

وبحسب دراسة صدرت حديثًا بعنوان: «كيف ترى الصين الشرق الأوسط، وهل يمكنها الاستفادة من توسيع فرصها الإقليمية؟» قدمها جوزيف كيشيشيان الباحث في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، ضمن دورية «تعليقات»، ابتعدت الصين عن التدخُّل الأمني في منطقة الشرق الأوسط وتفرّغت للشؤون الاقتصادية؛ لأنها منطقة تحظى بمنافسة جيواستراتيجية، ولاسيما من أمريكا والدول الغربية.

وتعدّ الصين قوة كبرى طموحة، على الرغم ممّا تعانيه من مشاكل داخلية عدّة لا تقتصر على الفقر والصراعات العرقية والطائفية. وتهدف مبادرتها «الحزام والطريق» -ولو بشكل جزئي- إلى تعزيز التعاون الصيني – العربي على الصعيد السياسي والاقتصادي، والقضايا الثقافية كذلك، على الرغم من أن التعاون معها في الجوانب الثقافية قد يمثّل إشكالية لدى المجتمعات العربية، التي تميل إلى الانحياز والتقارب بشكل أكبر مع اللغات والثقافات الغربية، كما تهدف مبادرتها تلك إلى التأكيد على سعي بكين في تحقيق الاستقرار الإقليمي، وتحقيق أهدافها الشاملة.

وتتطلّع دول المنطقة لهذه الأدوار الحاسمة للصين، فلا بد إذن من أن تستثمر بكين بكثافة في جميع أنحاء المنطقة؛ ليس لضمان النجاح النهائي لمبادرة الحزام والطريق فحسب، بل لتمكين الصين أيضًا من البروز كقوة أورو آسيوية غير متنازَع عليها.

وشهدت السنوات الأخيرة تطور السياسة الخارجية للصين في الشرق الأوسط من تأمين أمن الطاقة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية وعلاقات الطاقة؛ فعلى الرغم من الاستثمارات الثقيلة المخصصة للبنية التحتية ومشاريع إعادة الإعمار 23 مليار دولار في شكل قروض ومساعدات للدول العربية التي تم التعهُّد بها في الفترة (2014م- 2017م)، حملت بكين جميع الاحتياجات العربية تحت مظلّة واحدة؛ الوطنية التنمية والإنعاش الاقتصادي، وكان هذا هو الحال في بلدان مثل مصر والسودان، أما في الكويت أو السعودية على سبيل المثال فتركز الصين على النمو الاقتصادي.

وتمكّنت الصين من تحقيق نجاحات كبيرة في العالم العربي في معالجة الفقر ومحاولة إزالة بعض العقبات التي تعترض التنمية، وأطلقت خطة “مارشال المصغرة” للشرق الأوسط وشمال أفريقيا للجمع بين الحاجة الماسة لمشاريع التنمية الاقتصادية مع المتطلبات الأمنية الكافية لمعالجة الأزمات الإنسانية، وفق دراسة مركز الملك فيصل للبحوث.

ولكن الصين فشلت في التوازن في علاقاتها الاقتصادية بين العرب وإسرائيل؛ لأنها لم تهتم بتقديم المساعدة الاقتصادية للعديد من البلدان العربية، وفي الوقت ذاته اهتمت بتحسين علاقاتها مع إسرائيل؛ حيث وصلت الاستثمارات الصينية إلى 16.5 مليار دولار في إسرائيل وحدها عام 2016م، مقابل 23 مليار دولار تم استثمارها في جميع الدول العربية بين 2014م و2017م، وأجبرت البراغماتية الصين على أن تحاول التوازن بين المساعدة التنموية في مختلف الدول العربية مع السعي للاستفادة من التكنولوجيا الإسرائيلية. كما أنها فشلت في تحمل مسؤولياتها الدولية تجاه قضايا الأمن الدولي، لكن هذا لم يعد من الممكن تجنُّبه، خاصة في ضوء تهديدات داعش للتأثير على صادرات النفط.

ومع انتشار الإرهاب والتهديدات الأمنية في السنوات الأخيرة بالمنطقة، والقلق من أن أنشطة داعش في المنطقة قد تهدد أمن الطاقة الذي كان -ولا يزال- الحفاظ عليه هدف بكين الأساسي في العالم العربي؛ لذا كان من الضروري أن تحمي بكين مصالحها طويلة الأجل في العالم العربي الإسلامي، ولم يعد بإمكانها الادعاء بأن هذه اهتمامات غربية حصرية، فأصدرت الصين أول قانون لمكافحة الإرهاب في 2015م للسماح لجيشه بالمشاركة في مهام مكافحة الإرهاب خارج البلاد، ورفعت الحكومة الصينية الوضع الاستراتيجي للشرق الأوسط لتصبح واحدة من الأجزاء الأساسية في «الاستراتيجية الطرفية العظمى للصين».

ومن المرجّح أن تلتزم بكين بسياستها الخارجية التقليدية غير المتطرّفة وعدم الانضمام لدول التحالف ضد الإرهاب التي تقودها الولايات المتّحدة، وفي الوقت ذاته لم تعد الصين قادرة على حماية مصالح الأمن القومي والدفاع عنها من خلال الدبلوماسية الهادئة، وربما يكون الانخراط في الأعمال العسكرية ضد الإرهاب ضروريًّا الآن، حتى وإن كانت الحكومة الصينية لا تثق في واشنطن والنوايا الغربية.

كيف ترى الصين الشرق الأوسط، وهل يمكنها الاستفادة من توسيع فرصها الإقليمية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *